حزب الله وترشيح عون
ناصر قنديل
لم يكن تمسك حزب الله بترشيح العماد ميشال عون من قبيل مجرد وفاء أخلاقي لمواقفه الثابتة مع المقاومة فقط، فهو تماماً عند الحزب صار كترشيح الرئيس نبيه بري لرئاسة مجلس النواب، الوفاء يدفع الحزب لتسديد الفواتير من رصيده الخاص، وهو رصيد يقف عند حدود النيابة والوزارة.
ينطلق ترشيح عون عند الحزب من مراجعة منهجية للعلاقات المعقدة بين الطوائف اللبنانية، انطلاقاً من أن الحزب صار مؤمناً بأن نظاماً لبنانياً طائفياً متوازناً قائماً على رضا حقيقي ضمني لدى كل الطوائف أفضل للبنان، من نظام مدني لا طائفي تشعر إحدى طوائفه بالإكراه، وأفضل للحزب وطائفته من نظام طائفي يمنح أرجحية كاسحة للطائفة الشيعية التي ينتمي إليها الحزب ويحرص على حماية مكانتها في المعادلة السياسية، طالما أن هذه المكانة المميزة تشعر الطوائف الأخرى بالقهر والغبن.
في المراجعة يتبنى الحزب قراءة نقدية لتجربة حكومة الرئيس ميقاتي، كذلك لتجارب مشابهة قبلها من زاوية تشكيل حكومة لا يحظى رئيسها برضا الغالبية الوازنة في الطائفة السنية، فالرئاسات الثلاث هي الميثاقية في مفهوم تجربة الحزب وقراءته، والتكوين البرلماني والحكومي هو ميدان الحفاظ على التعددية السياسية داخل الطوائف بأحجامها وأوزانها الطبيعية في طوائفها، من دون استعارة أوزان تقدمها لها اللعبة الانتخابية من طوائف أخرى.
هنا يبحث الحزب قانون الانتخاب على هذه الصورة، كيفية تحقيق تمثيل عادل للتيارات السياسية المتعددة داخل الطوائف، بأوزان أقرب ما تكون لحقيقتها التمثيلية، لكن من دون الوقوع في فخ الاقتراب من الفيديرالية الفجة والخطيرة، والنسبية هنا تبدو ثابتة رئيسية مع توزيع للدوائر يراعي التركيب الجيوسياسي لتمركز الطوائف مناطقياً.
في الرئاسات كل خلل يؤدي إلى اهتزاز ميثاقية الكيان، وهذا يعني أن رئاسة المجلس النيابي المعقودة للرئيس نبيه بري لا يمكن أن تقبل المساومة مهما كانت التوازنات البرلمانية، ومثلها رئاسة الجمهورية للعماد عون.
لبنان بلا رئيس للمجلس وبلا رئيس للحكومة إذا كان البديل خرقاً للميثاقية، وهذا يعني لبنان بلا رئيس للجمهورية إذا كان البديل خرقاً للميثاقية، والمعيار التوافقي هنا على المفهوم هو الطريق لإنجاز الاستحقاقات وليس مفهوم المقايضة. رئاستا ميشال عون وسعد الحريري مترابطتان، ليس بداعي المقايضة بل بداعي الميثاقية، فالمعيار بالرئيس هو أن يكون الممثل لغالبية راجحة في طائفة الرئاسة، كمصدر لاستقرار سياسي ودستوري.
وفقاً لهذه المعادلة يصير النظر، لرفض الآخرين لرئاسة عون، تعبيراً عن رفضهم للميثاقية بالمبدأ، أو استعدادهم للتضحية بها طلباً للهيمنة، أو بحد أدنى بداعي الكيد السياسي، وهو على الأرجح الحالان معاً ولكن بداعي علاقة عون بحزب الله، فيصير منطق الرافضين، الانتقام من حزب الله بالواسطة، واضعافة بالواسطة، لأن الميثاقية ستأتي برئيس صديق له وداعم لخياراته، فحرمانه من هذا الموقع، يتم بطريقة خبيثة، التقرب من حزب الله، شكلياً ودعوته للتفاهم على الرئاسة تحت شعار، تعالوا نسحب مرشحينا ونبحث عن بديل، والهدف هو أن يدفع عون ثمن تحالفه مع الحزب لأن المنافسين الذين يجري سحبهم لا يملكون حيثية عون الشعبية كما تقول مجموع أصوات الناخبين المسيحيين أو المقاعد النيابية المسيحية، فكيف بالمقاعد النيابية التي صنعتها أصوات المسيحيين.
يصير حزب الله مطالباً بأن يقول إنه إذا كانت كل المواصفات والشروط اللازمة للرئاسة تدفع بعون مرشحاً أول، وإذا كان كل ما يدور من لعبة حول الرئاسة يهدف لاستبعاده بسبب علاقته المميزة بحزب الله، ولو كانت النتيجة ضرباً خطيراً للميثاقية، وتعريضاً للعلاقة بين الطوائف للاهتزاز وللاستقرار للخطر، فهل على حزب الله أن يثبت مرونته وحرصه على البلد، بالموافقة على الخطة الخبيثة، لينال علامة «جيد» على امتحان يجريه له الآخرون، وهم يضحكون في سرهم أن مؤامرتهم أدت أغراضها؟
يختار حزب الله توقيت الحديث عن التسويات في المنطقة، وحيث العين عليه كقوة حاسمة في الحرب على الإرهاب، كزعيم روحي وسند في الخبرات والتجارب للقوى المقاتلة في اليمن والعراق، وسند عملي وركيزة حقيقية في لبنان وسورية إلى جانب جيشيهما، فيزور وفد قيادي منه العماد عون ليقول من عنده، ترشيح العماد عون غير قابل للمقايضة، والمعادلة هي أن من يريد من حزب الله أن يكون القوة الضاربة لسحق الإرهاب، عليه أن يفهم الرسالة. يشعر حزب الله بالأمان وبظهره محمياً في دولة يترأسها العماد عون لألف سبب وسبب.