أمة…اقرأ؟

أنطون تشيخوف أفضل كاتب للقصة القصيرة في التاريخ. كانت معظم قصصه في بداياتها ساخرة وتفتقر إلى العمق، ثمّ سرعان ما نضجت وتعملقت عندما أبدع في إظهار النفسيات الداخلية لشخصياته الحكائية. إن لم يكن الأدب بمختلف مسمياته من قصة ورواية وشعر يلامس وجدان القارئ ويعبّر عما يعتريه من هموم وآلام فلا يمثل إلا حبراً على ورق.

كلّ ما في الحياة إن لم نكتب عنه بصدق وبلغة تقرّبه من القارئ فهو زيف ونفاق. ورسالة الأدب كانت منذ الأزل رسالة صدق وتعريف القارئ بثقافات الشعوب عبر التعريب.

مكتبة الكونغرس الأميركية اليوم هي أكبر مكتبة في العالم، والأكثر تكلفة وأماناً يعيّن رئيس المكتبة من قبل رئيس الولايات المتحدة الأميركية مباشرة. من هنا تبدأ سيطرة الأمم ومن هنا يبدأ زوالها.

رغم أننا أمة اقرأ ونحن العرب مَن نزلت رسالتنا بلسان عربيّ، إلا أن تراجع مستوى الأدب في الآونة الأخيرة ما هو إلا نذير شؤم بمستقبل سوداوي وضبابي سيطال الأدب.

كنّا ولوقت قريب يا سادة نكنّى بأمة اقرأ، فقد كان المأمون العباسي يعطي وزن الكتاب المترجم من لغة إلى اللغة العربية ذهباً شريطة أن يكون ذا محتوى جيد ويضيف لبنة إلى عماد ثقافة العربي، والأهم كان هدفه التشجيع على القراءة وتعلّم اللغات والاستفادة من ثقافات الشعوب، فكان على دراية أنّ اللغة زاد الشعوب. والدليل عندما دخل التتار بغداد أوّل ما قاموا بفعله هو إحراق مكتبة بغداد، ورمي كتبها في نهر دجلة. عادت بغداد لكن كتبها ضاعت وغرقت إلى الأبد لذا نعود ونؤكد أنّ من هنا تبدأ سيطرة الأمم.

إنّ إطلاق لقب أو صفة كاتب على كل من أصدر كتاباً ما هو إلّا نوع من الخطل، وفيه تسطيح كبير، وقد يكون مقصوداً لقيمة الكتابة، مثلما فيه تفريغ كامل لمحتوى وفكرة الكتابة بحد ذاتها. في عالمنا الحالي هناك استسهال لفكرة الكتابة والنشر وهذا إنّ دلّ على شيء إنما يدل على أنّ الأكثرية تكتب والغالبية لا تقرأ، فقط يحضرون بروتوكولات حفلات توقيع الكتب ويتناولون الكاتو والعصير. ما يُكتب اليوم جلّه لا يحفر في عمق الوعي الثقافي العربي لا جمالياً ولا فكرياً، وأنّ المخزون اللغوي والفكري لصاحبه شحيح. والطامة الكبرى عندما تغدو هذه الكتب تراث أمتنا وتترجم إلى لغات أخرى عندها سنبتسم حين نقرأ كما سنبتسم وقتها حين تغدو ثقافة «بوس الواوا» من تراث الفن والغناء !!

إنّها حالة تغييب الوعي والعقل وإبقاء المجتمعات في حالة عطالة فكرية وعقلية. على جسر الرغبة المخدّرة التي تقص ضفيرتي العقل والمنطق وقتذاك يجب أن يحصل المتذوّق والناقد ثمن مجيئه بكتاب قيّم ليس فقط على الليرات الذهبيات، بل وعلى وسام القارئ الحقيقي، الأسلحة وحدها لا تكسب المعارك لذا اهتمّوا بما تكتبون فهو سلاح الجيل المقبل، والزمن كفيل بالإنصاف..

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى