«القاعدة» و«داعش»: حقبة جديدة من الجهاد العالمي

عامر نعيم الياس

دخل الصراع بين تنظيمَيْ «القاعدة» و«داعش» مرحلةً جديدة على الصعيد الدولي بعد إعلان أبي بكر البغدادي في التاسع والعشرين من حزيران الماضي إقامة «دولة الخلافة السنيّة» في العراق وسورية، وواكب التنظيم هذا الإعلان بنشر خريطة له لا تقف عند حدود سورية ـ العراق التي شكّلت منطلق الدولة الموعودة التي تتمدّد يوماً بعد يوم، في الوقت الذي ينحسر فيه نفوذ «القاعدة» في منطقة الشرق الأوسط، ولا يزال يحافظ على وجوده في الشرق الأقصى وجنوب شرق آسيا مع لحظ محاولات لتمدّد «داعش» في منطقة جنوب وزيرستان في باكستان ومناطق أخرى في إندونيسيا وماليزيا. فهل نحن أمام تقاسم للنفوذ في القارة الآسيوية بين «القاعدة» في شرق وجنوب شرق آسيا، وبين «داعش» في الشرق الأوسط؟

التطورات المتسارعة للبيعات في المنطقة والتي كان آخرها بيعة «أنصار بيت المقدس» في مصر الذي غيّر اسمه إلى «ولاية سيناء»، والبيعة التي أعلنها إسلاميو مدينة درنة الليبية في الواحد والثلاثين من تشرين أول الماضي «للخليفة» البغدادي، تلقي بظلالها على المشهد في المنطقة العربية. فتنظيم «داعش» وفي الحالة الليبية خرج للمرّة الأولى جغرافياً وبشكل ملموس خارج حدود العراق وسورية. مدينة درنة الليبية القريبة من سواحل المتوسط والواقعة بين مدينتي طبرق وبنغازي تشكل حالةً استثنائية تتطابق إلى حدٍ كبير مع وضعية «داعش» في العراق وسورية. إذ يتحكّم متطرّفوها بالمدينة ولديهم مساجدهم وشرطتهم ومحكمتهم الشرعية، وهذا ما يجعلها بحسب «لوفيغارو» الفرنسية «الأرض الأولى لدولة الخلافة بعد سورية والعراق».

وإضافةً إلى هذا الأمر، فإن هذا التمدّد جاء مصحوباً بهجرة تسعة من أمراء حرب القاعدة في أفغانستان وباكستان إلى سورية منذ الواحد والثلاثين من آذار الماضي بحسب «لوموند» الفرنسية. ولعلّ المثال الأوضح على ذلك، الحالة التي جسّدها عمر الشيشاني في صفوف «الجهاديين الشيشان» الذين أضحوا منقسمين على ذاتهم بين مجموعة تدين بالولاء لـ«القاعدة» التي يتزعمها المصري أيمن الظواهري، وبين مجموعة أخرى تدين بالولاء لـ«داعش». لا بل إنها تشكل قطباً مؤثراً في هيكلية التنظيم.

في سورية، انعكس الصراع بين «القاعدة» و«داعش» حرباً دموية بين الطرفين أرخت بظلالها القاتمة على الفوضى التي تعيشها البلاد. لكن على المستوى الدولي، يمكن لحظ أن الصراع يمهّد لعصر جديد في «الجهاد» العالمي يتميز بالتالي:

تغيّر أساليب عمل المجموعات المتطرّفة وتكثيف الاجتهاد البنيوي في هيكلية التنظيمات وفلسفتها وطريقة عملها. ولعل إعلان «الدولة الإسلامية» كان العامل الأبرز في تمدّد تنظيم «داعش» وتحوّله إلى قوة جذب كبيرة. فقد انضم في الأشهر الأخيرة إليه أكثر من 15 ألف مقاتل أجنبيّ دافعهم الأبرز النجاحات العسكرية والمكاسب الاقتصادية من جرّاء نهب الموارد الطبيعية في العراق وسورية، إلى جانب العامل الديني.

تمدّد «داعش» في الشرق الأوسط لا يعني نهاية «القاعدة» كمنظّمة أمّ لكافة التنظيمات الوهابية المتطرّفة الأخرى. إذ لا يزال هذا التنظيم يحافظ على مساحات انتشاره في باكستان وأفغانستان والشيشان وإندونيسا وماليزيا وغيرها من الدول الآسيوية الإسلامية. وهنا تقول «لوموند»: «لا تزال القاعدة تشكل المعيار الذهبي للجهاد العالمي».

تقاسم النفوذ على مستوى الدول الإسلامية. فهجرة أمراء «الجهاد» من أفغانستان وباكستان أتت في سياق إقامة مشروع آخر في الشرق الأوسط وليس بديلاً عن «القاعدة» في أفغانستان وباكستان، يدفع في بيئة الفوضى التي رسّخها الربيع الأميركي قدماً، ويحافظ في الوقت ذاته على تواجد «القاعدة» في جنوب شرق القارة الآسيوية.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى