السيد نصر الله أفضل مَن قدّم إيران حضارياً
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
لم يسبق أن استمعت إلى خطاب حول الجمهورية الإسلامية الإيرانية كخطاب الأمين العام الأخ الحبيب حسن نصر الله. رغم متابعتي الدقيقة والمتواصلة للتطور الذي يحدث داخل هذا البلد العزيز ومشاهدتي لبرامج قناة العالم التي تدور حول الإنجازات العلمية والعسكرية، إلا أني لم أتأثر ولم أشعر بالاعتزاز كما شعرت خلال إلقاء سماحة السيد خطابه الرائع الذي يُعرّف بالجمهورية ويسرد قصتها بكيفية دقيقة مركزة وأرقام تعزّز المصداقية وتمنح دلالة على المسار الواعد.
مَنْ لم يزر هذا البلد يَكفِهْ الاستماع إلى هذا الخطاب ليتأكد من الحقيقة التي شُوّهت بفعل الإعلام المضلِلِ الذي صوّر إيران وكأنها دولة تعيش في مجاهل التاريخ، وأن رجال الدين لا حظ لهم من العلم والحداثة والمدنية، وبالتالي فإنهم محكومون بالتخلف والجهل والفشل.
هذه المنجزات التي قدّمها سماحة السيد بأسلوبه الجذاب، يكشف الستار عن حقيقة الحكم الذي يقع على رأس هرمه رجل دين، وبحسب فرض الأعداء فإن رجل الدين هذا والمجموعة التي تحيط به لا يقدرون على إدارة حي، فكيف بدولة كإيران!
لكن أربعين عاماً من عمر الثورة في إطار الإيمان الديني، أثبتت شيئاً مغايراً لتوقعات الأعداء، فهذا البلد الديني عميق الاتصال بالعلم والفنون والثقافة والتكنولوجيا، ويبذل شعبه الجهد كله نحو بناء حضارة إسلامية ترفع من حياة الإنسان والأمة على المستويين المعنوي والمادي وتكون نموذجاً لكل دول العالم التي ابتعدت عن الروح وانشدّت إلى غايات المادة وحدها.
إنّ سماحة السيد حسن نصر الله قدّم ما عجزنا جميعنا عن تقديمه، وحتى الحكومة الإيرانية عجزت أن تقّدم ثورتها ومنجزاتها للعالم العربي إلا ضمن الأبعاد السياسية ودعمها للقضية الفلسطينية ومناصرة الشعوب المظلومة، فيما تجاهلت الجوانب العلمية والثقافية والروحية التي تعكس جوهر الثورة، وكيف استطاع الشعب بإيمانه أن يحقق الاستقلال والحرية والاكتفاء الذاتي، وتتحوّل الجمهورية بأقل من نصف قرن رغم كل الحروب والعقوبات بلداً محورياً ناهضاً صاعداً يزداد نمواً وازدهاراً يوماً بعد يوم.
إن سماحة السيد لم يُلاحظ في كلمته جانب الوفاء لهذا البلد وشعبه وقيادته الذين قدّموا الكثير للبنان فحسب، ولكنه أضاء على تجليات هذه الثورة الحضارية وأبطل الدعايات المغرضة التي تطال النظام الإسلامي الرائد وقيادته الحكيمة.
إن سماحة السيد نعمة إلهية يجب أن يشكر العرب الله عليها، وحضوره في هذه المناسبة وإضاءته على الجوانب الحضارية للثورة الإسلامية ترك بلا ريب صداه الكبير في نفوس العرب وكل القوى الجديدة الفاعلة، ولنعلم جميعاً أن عصر الهيمنة الأميركية إلى زوال وعصر الحضارة الإسلامية آتٍ حتماً.