المرضى أولوية وخدمتهم بطريقة لائقة ضرورة حتمية برنامج التدريب المهني وسيلة لتحفيز الاعتماد على النفس

تحقيق ـ عبير حمدان

رسّخت مؤسسة مخزومي حضورها الاجتماعي في مختلف القطاعات وفي فترة قياسية، وهي جمعية لا تتوخى الربح، أسّسها النائب فؤاد مخزومي عام 1997 بهدف تمكين المواطن من تحقيق الاعتماد على الذات وتحسين آفاق التطوّر المهني، وقد حققت المؤسسة حضوراً مميّزاً من خلال خدماتها بحكم تولي إدارتها من قبل السيدة مي مخزومي.

تتنوّع خدمات المؤسسة التي تصبّ جميعها في خدمة الصالح العام، ولعلّ أبرز وأهمّ هذه الخدمات هو برنامج الرعاية الصحية الأولية، ذات الجودة والنوعية المتميّزة وفقاً لمعايير الرعاية الصحية الأولية التي تعتمدها وزارة الصحة العامة اللبنانية، بالتنسيق مع اعتماد كندا، فيكون تقديم الرعاية الصحية الأولية على مستويات عالية من السلامة، مع التركيز على توفيرها بكلفة معقولة تتلاءم وظروف المواطنين خاصة الذين يفتقدون إلى الإمكانيات المادية، ولا توجد لديهم جهة ضامنة صحياً.

إلى الجانب الصحي نجحت المؤسسة في منح الكثير من الفرص الجيدة لمن يبحث عن وسيلة لتطوير قدراته المهنية وتحسين وضعه العملي والمهني، من خلال الدورات التدريبية والتعليمية في أكثر من قطاع يتطلّبه سوق العمل، والهدف من برنامج التدريب المهني التشجيع على طلب المعرفة من جهة وتحفيز الاعتماد على النفس من جهة ثانية.

وللإطلاع أكثر على واقع مؤسسة مخزومي وخدماتها الصحية والتدريبية، قامت «البناء» بجولة في المبنى الرئيس للمؤسّسة، حيث التقت بعدد من مسؤولي الأقسام والفروع الذين تحدّثوا وشرحوا عن التفاصيل والخدمات التي يتمّ تقديمها.

سنو: همّنا الأول خدمة الناس

وتؤكد مديرة برنامج الرعاية الصحية في المؤسّسة دانا سنو على أهمية تقديم الخدمات الصحية والطبية للناس بمستويات عالية، وعن المركز الصحي منذ تأسيسه، تقول: «في أواخر العام 2005 قرّر المؤسّس فؤاد مخزومي أن يقوم بكلّ ما يلزم لمساعدة الناس في بيروت وضواحيها، وبالطبع الحاجة الملحة هي مستوصف يقدّم الخدمات الصحية للناس وفي المنطقة التي نشأ فيها، وتمّ افتتاح أول مستوصف بحجم الإمكانيات المتوفرة في حينه، وكان التركيز على كيفية خدمة الناس بشكل جيد ووفق معايير متقدّمة، وقد تطوّع الكثير من الأطباء للمساعدة مع الإشارة إلى أنّ الكلفة المادية كانت رمزية، كي يحصل أكبر عدد ممكن من الناس على الرعاية الصحية اللازمة، وخدماتنا الطبية كانت عبارة عن معاينات طبية وتصوير شعاعي، وجهدنا لتطوير المركز على مدى سنوات قبل أن يصبح هناك تعاون بيننا وبين وزارة الصحة، بعدها عملنا على تحقيق المعايير التي تطلبها الوزارة كي نكون ضمن برنامجها للرعاية الصحية».

مراكز صحية في مختلف المناطق

وفي ما يتصل بالمواصفات والشروط المطلوبة تقول سنو:» كي يكون أيّ مركز صحي ضمن شبكة الرعاية الصحية لوزارة الصحة يجب أن يضمّ عيادات للأطفال وللنساء والصحة العامة، أيّ يجب أن يكون هناك خمس عيادات بالإضافة إلى سلامة التصوير الشعاعي للحصول على الموافقة من الوزارة، باختصار المطلوب أن تكون كلّ الشروط الصحية متوفرة وبجودة عالية، وأحب هنا أن أشير إلى أنّ المؤسس النائب فؤاد مخزومي أولى هذه المؤسسة كلّ عناية واهتمام لأنّ همّه الأول والأخير خدمة الناس والمجتمع».

وتشير سنو إلى أنّ المؤسسة كان لديها مراكز صحية في مختلف المناطق اللبنانية، ولكن لأسباب عديدة تمّ الاكتفاء بمركزي الأشرفية وبيروت حالياً، لافتة إلى أنّ مركز بيروت هو المركز الرئيسي الذي يضمّ كلّ الخدمات الصحية المطلوبة.

وعن الاتفاقية مع وزارة الصحة تقول سنو: «عام 2010 أصبح المركز ضمن الشبكة الصحية التابعة لوزارة الصحة، وفي كلّ عام هناك متابعة من قبل الوزارة، والأهمّ أنّ جميع الأطباء الذين يتعاونون معنا يمتلكون الكفاءة والخبرة، ويقصد المركز مواطنون من جميع المناطق وبالطبع البطاقة الصحية أولوية لمن لا يملك التأمين الصحي، وبالتالي لكلّ من هم غير مسجلين في الضمان الاجتماعي».

تقديم الأدوية لعلاج الأمراض المزمنة

أما في ما يتصل بالأدوية تقول سنو: «في السابق كان لدينا كلّ أنواع الأدوية في الصيدلية التابعة للمركز، لكن قرار وزارة الصحة الصادر بأن تتحوّل كلّ المراكز التي ضمن شبكة الرعاية إلى الأدوية البديلة التي ليس لديها اسم تجاري فإننا تحوّلنا فوراً إلى الأدوية البديلة، وهذا الأمر شجع الأشخاص على استبدال أدويتهم بدواء أقلّ سعراً، كما أنّ وزارة الصحة تقدّم للمراكز الصحية مجموعة من الأدوية لعلاج الأمراض المزمنة عن طريق جميعة الشبان المسيحية، ولكن هذا يتطلب من الشخص الذي يحتاج إلى هذه الأدوية تقديم الفحوصات الطبية التي تثبت حاجته إليها وعدم مقدرته على شرائها وحين يتمّ التأكد من وضعه يتمّ تزويده بها كلّ ثلاثة أشهر. إضافة إلى ذلك الوزارة تقدّم الكثير من الأدوية المجانية إلى المراكز الصحية، وهذا كله نوع من ضمان صحي غير مباشر، مع التأكيد أنّ الرقم الذي تضعه الوزارة كمعاينة في العيادات يجب الالتزام به، وهذا أمر محسوم بالنسبة لنا في المركز».

مواصفات عالمية

ونسأل سنو عن سبب خشية بعض الناس من عبارة «مستوصف» او «مركز صحي»، فتقول: «ربما هناك بعض التقصير من قبل من لديهم مستوصفات ومراكز رعاية صحية، لعلّ المطلوب هو العمل على توعية الناس إلى ضرورة النظر بشكل إيجابي إلى هذه الخدمات الصحية، التي تقدّمها المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة، وهنا أحب القول إنّ مركزنا الصحي لديه كلّ المواصفات العالمية والدليل هو أننا حصلنا على شهادة امتياز عام 2017 من لجنة طبية كندية زارت المركز وكشفت على كلّ العيادات والمعدات الطبية الموجودة بالتنسيق مع وزارة الصحة، وهذا يثبت حجم التقنية التي نعمل على أساسها».

برامج صحية و»صحة نفسية»

أما عن الخدمات الغير متوفرة في المركز تقول سنو: «بحكم أنّ مركزنا ليس بالمساحة الكافية لم نتمكّن من تأمين مكان لآلة التصوير المغناطيسي MRI، بالرغم من أنّ رئيسة المركز السيدة مي مخزومي تقدّم الدعم المادي للمركز ولكن الإشكالية في المكان، ولكن هناك تعاوناً مع مراكز لديها هذه الخدمة وبالتالي نقوم بتحويل المرضى اليها وبكلفة أقلّ مما هو معروف».

كما أنّ لدى المركز الكثير من البرامج الصحية تذكر سنو بعضها: «بالإضافة إلى التصوير الصوتي الروتيني والتصوير الشعاعي، لدينا فحوصات مخبرية ونعمل في المركز على برامج صحية مثل تعزيز الرضاعة وبرنامج سوء التغذية لدى الأطفال، والصحة الإنجابية، والأهمّ لدينا قسم الصحة النفسية التي تعتبر أولوية لدى الوزارة أيضاً».

حملات صحية و»عيادة نقالة»

أما في ما يتصل بالحملات الصحية تقول سنو: «هناك نوعان من الحملات الصحية، نحن كمؤسسة مخزومي كبرنامج صحي نقوم بحملات من نوع معيّن، مثلاً هذا الشهر لدينا حملة الكوليسترول والدهنيات، الشهر المقبل ستكون لدينا حملة لفحص النظر وبعدها قد تكون هناك حملة للفحص النسائي، وبالطبع يتمّ إعلام الوزارة بذلك.

أما النوع الثاني فهو الحملات الوطنية التي تعلن عنها الوزارة وتقول إنها بالتعاون مع المراكز الصحية مثل «الحملة الوطنية للكشف عن سرطان الثدي» ومدّتها أربعة أشهر وبالتالي كلّ المراكز الصحية التي لديها هذه الخدمة ملزمة بها، وبعدها يتمّ تقديم تقرير للوزارة عن النتائج التي حصلنا عليها. وربما يكون هناك حملة وطنية للأمراض المزمنة كالضغط والسكري وغيرها لمن هم فوق سن الأربعين ونكون ملزمين فيها».

وتشير سنو إلى أنّ المركز لديه عيادة نقالة، فتقول: «لدينا عيادة نقالة تجول في مختلف المناطق اللبنانية لتقديم الخدمات الصحية من خلال الحملات التي تقوم بها المؤسسة ـ بالإضافة إلى حملات التوعية، وهذا الشيء يستفيد منه الجميع سواء كانوا لبنانيين أو غير لبنانيين».

وتختم سنو قائلة إنه إلى جانب المركز الصحي هناك العديد من الخدمات في المؤسسة منها المعهد التعليمي والتدريبي الذي يقدّم دورات حول كيفية مساعدة المريض، مع احتمال أن تكون هناك إمكانية لتوفر اختصاص التمريض في المعهد لاحقاً، وتشدّد على أهمية تدريب كلّ الموظفين في المركز على كيفية التعاطي مع الناس بشكل عام وعلى المرضى بشكل خاص لأنهم أولوية وخدمتهم بطريقة لائقة ضرورة حتمية.

الحوت: تحسين الواقع الاجتماعي

من جهتها تؤكد مديرة برنامج التدريب المهني في المؤسسة السيدة ملك الحوت على أهمية تنمية القدرات لدى الأشخاص الذين بيحثون عن الفرصة المناسبة لتحسين واقعهم الاجتماعي، ومن هنا كان لا بدّ من مواكبة سوق العمل ومتطلباته، وترجمة هذا الأمر من خلال الدورات التدريبية والمهنية، فتقول: «عام 1997 بدأنا بسياسة التنمية من الناحية الاقتصادية من خلال القروض الصغيرة، ولكن حاجة الناس للمزيد من الفرص جعلنا نفكر بما هو أشمل، بمعنى أنّ هناك أشخاصاً يريدون تحسين وضعهم الوظيفي والتعليمي ومنهم من يريد إيجاد فرص عمل جراء ارتفاع نسبة البطالة، ومن هنا بدأنا برنامج التدريب المهني لمساعدة من يرغب بالمساعدة».

التدريب على المهن متوفر للجميع

وتضيف الحوت: «هناك خريجو جامعات قصدوا المؤسسة لتطوير قدراتهم في مجال عملهم، إضافة إلى ذلك ركزنا في البرنامج التدريبي على المهن مثل الخياطة والسباكة، وبعد أن لمسنا احتياجات السوق عملنا على تطوير برنامجنا التعليمي والتدريبي، ليكون هناك اختصاصات متنوّعة مثل تزيين الشعر والماكياج والحلاقة والعناية بالأظافر كونها مطلوبة وبشكل كبير ولديها سوق عمل ناشط».

وتشير الحوت إلى أنّ التدريب على المهن متوفر للجميع، فتقول:» أيّ شخص يريد الخضوع لدورات تدريبية ومهنية يمكنه ذلك من خلال برنامج التدريب المهني، وفي المقابل هناك المعهد الذي يتطلب شهادات رسمية ككلّ المعاهد، وفق قانون وزارة التربية والتعليم وبذلك يتمّ منح الفرص للجميع دون استثناء سواء من الناحية الأكاديمية أو المهنية. ونحن نسعى قدر الإمكان إلى توفير فرص عمل لطلابنا من خلال خضوعهم لفترة اختبار لدى صاحب العمل مما يمنحهم فرصة للاستمرار إذا ما أثبتوا قدراتهم خلال هذه الفترة الاختبارية القصيرة».

المراكز التعليمية تغطي كلّ المناطق

وتتابع الحوت قائلة: «ليست لدينا نية للخروج من الإطار المهني وذلك من خلال دراستنا لسوق العمل، لذلك سيبقى تركيزنا على الاختصاصات المهنية، فمن يتعلّم مهنة لا يقلّ شأناً عن الطالب الجامعي لا بل نراه فاعلاً بشكل أكبر في مختلف المجالات. ومراكزنا التعليمية موجودة في بعلبك وبيروت وزحلة وطرابلس وعرمون وفي جمعية «لها» في صيدا، وذلك كي نتمكّن من تغطية كلّ المناطق ولدينا مشتل كبير في عكار للمساهمة في دعم البيئة وتعليم الناس كيفية إعادة التشتيل والتوعية وإعادة التدوير من خلال دورات قصيرة لطلاب المدارس وحتى للكبار في السن».

وتختم الحوت: «المؤسسة التي ننتمي إليها، اجتماعية بالدرجة الأولى ولا تتوخى الربح، لذلك هدفنا تقديم الخدمات والفرص للمجتمع بمستوى جيد يليق بتطلعاتهم ويوفر لهم كلّ ما يلزم لتحسين ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية».

الأهداف والرؤية

لدى مؤسسة مخزومي جملة من العناوين التي تتصل بالناس بشكل مباشر على رأسها تأمين الظروف المعيشية الأساسية لكلّ شخص وذلك يتطلب تعبئة الموارد وبناء الشراكات وتطوير قدرات المجتمع المحلي من خلال تعزيز طلب العلم والرعاية الصحية بأسعار معقولة وتأسيس الأعمال والتنمية المستدامة وسبل العيش المضمونة.

انطلاقاً من هذه الرؤية عملت المؤسسة على تأمين القروض الصغيرة لأصحاب المشاريع الصغيرة والموظفين ذوي الدخل المحدود والمتوسط، والذين يرغبون بتوسيع عملهم ورفع مستوى معيشتهم، وبدأ البرنامج بتغطية مدينة بيروت ثم توسع إلى بيروت الكبرى وحالياً يغطى الشمال والبقاع.

ولأنّ المؤسسة جزء من النسيج الاجتماعي الغير منفصل عن واقع المنطقة، كان لها دورها الفاعل كشريك منفذ مع مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين في العام 2011 وبعدها مع مؤسسات محلية ودولية لتلبية احتياجات النازحين من السوريين والعراقيين ومختلف الجنسيات عبر تأمين خدمات الحماية والمساعدات الحياتية وإدارة الحالات.

مما تقدّم يتبيّن أنّ العمل الخيري هو المقياس والحافز لدى مؤسسة مخزومي التي تفتح أوراقها للجميع بمسؤولية وشفافية مطلقة من خلال ثباتها على أرضية خدماتية صلبة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى