«قسد» … ورقة صراعات القاع!
فاديا مطر
لم يكد التحالف الأميركي ينهي غاراته على قرية الباغوز في ريف دير الزور حتى خرجت مصادر معارضة بالحديث عن صفقة أجرتها ميليشيا «قسد» مع تنظيم داعش في قرية الباغوز لتسليم 440 مقاتلاً يخرجون من المنطقة الشرقية على دفعتين في 15 شباط الحالي كحلّ موضعي لإنهاء آخر جيوب تنظيم داعش في منطقة شرق الفرات، ولعلّ هذا الحلّ الكردي يحتوي على تناغم بين الزمان والمكان اللذين تفرضهما تصريحات الرئيس التركي بعد قمة سوتشي التي انتهت مؤخراً بأنّ هناك احتمالية لعملية عسكرية تتشارك فيها أنقرة وطهران وموسكو للقضاء على الإرهاب في سورية، فهل عادت قوات «قسد» مجدّداً الى أجندة عملية «شرق الفرات» التركية المزعومة؟ وهل الدعم الأميركي لها يسمح بوضعها في دائرة النار مجدّداً؟ فأمام سياسة المدّ والجزر التي تعامل فيها واشنطن أنقرة في قضية الأكراد في التمويل والتسليح والتفاقم الخلافي الذي يحصل بين البيت الأبيض والبنتاغون في قضية الانسحاب الأميركي من سورية، تقف قوات «قسد» في موضع الورقة الاستراتيجية لاستبيان الثقة بين الدولتين في حلف الناتو، خصوصاً بعد إجتماعات «سوتشي» و صفقة الصواريخ «أس 400» الروسية لأنقرة في أيلول/ ديسمبر 2018، والذي تعتبره واشنطن مسلكاً يمسّ باستراتيجيتها في المنطقة وسورية ومن خلفها الحليف الكردي، وما الدعم الأميركي لقوات الكرد في سورية سوى ورقة لتبرير الانسحاب العسكري الذي يترك الباب مفتوحاً على قدرة الأكراد في تحمّل مسؤوليتهم العسكرية في شرق الفرات لخلق حالة توقف عملية انقرة العسكرية في ذات المنطقة ولقطع الطريق على سيطرة الدولة السورية في منطقة استراتيجية هامة ربطاً بمشروع الفدرلة التي تحاول «قسد» كسب بعض مقوّماته من الدعم الأميركي، وهنا يكمن التجانس بين إنهاء تنظيم داعش والانسحاب الأميركي من سورية كورقة تستخدمها لاحقاً واشنطن في بروباغندا الداخل لتبرير الانسحاب، فالاستراتيجية القديمة الجديدة لواشنطن تكمن في عدم التخلي عن قوات «قسد» في الشرق السوري وهي التي ما زالت تتبع سياسة التضليل في الانسحاب والأرقام الغير معلنة حتى اللحظة لعديد قواتها ومحاولة ملء الفراغ الجغرافي في شرق الفرات بقواعد عسكرية تحكمها «قسد» لقطع طريق طهران بغداد دمشق من أهمّ منطقة استراتيجية تشرف عليها أنقرة المنكفئة من المحور الإقليمي لأميركا، ولمنع أيّ استهداف مستقبلي لقوات «قسد» في شرق الفرات كورقة حماية تحملها واشنطن في غرف السياسة لمن دحر تنظيم داعش في سورية، لكن السياسة الأميركية التي تتباين مع أنقرة في الحسابات تسعى لربط الكرد في رسم جديد للخريطة الجيوستراتيجية في ملف داعش والعراق والمخاطر التي تعتبرها واشنطن ذات تطوّر نوعي في العسكرة السورية، بل تصل لطريقة إدارة المقايضة بتنازلات أميركية في ملف الأكراد مقابل عدم التوغل التركي في المحور الروسي والإيراني في سورية، وفصل العلاقة ما بين الحسابات والفوائد الاستراتيجية لواشنطن في المنطقة، وهو الشعرة الواصلة لبقايا المعارك ضدّ داعش في العراق والعلاقة مع إقليم كردستان في تحقيق انسحاب يبقى موازياً لتقدم الجيش السوري على الحدود الشمالية والشرقية في حالة صدقت الدعوى الكردية لتسليم الحدود للدولة السورية كجزء من حفاظها على حياتها السياسية بعد التعهّد السوري بتحرير كامل الجغرافيا السورية بشراكة الحلفاء، فهل تصل الفدرالية الكردية الى مرتكز بعد فشل تفاوضها مع موسكو؟ وهل الانسحاب الأميركي سيبقي على بعضها في خريطة توزيع التوازنات القادمة؟
ربما تتمسك واشنطن بورقة الكرد كضامن لمنع الدور الإيراني والروسي على الحدود الشرقية لسورية، وهو ملف له امتدادات إقليمية تؤثر في حلّ الأزمة السورية، ومرتبط بشكل كبير على علاقات عملية «ادلب» في مجمل المشهد العسكري وبوجود بقايا لجيش فرنسي يرسل جملة رسائل مفادها انّ الكرد هم ورقة القاع في المعادلة السورية التي تطفو حالياً كجسر لعبور المشروع الأميركي والإقليمي بسلاسة في الخريطة العسكرية الجديدة، وربما ستعود نغمة سحب التسليح للكرد الى واجهة المفاوضات التركية ـ الأميركية كورقة أخيرة في إطار لعبة التوارنات، وربما التحالفات، لتكون معركة «الباغوز» آخر معارك القاع التي تشهدها « قسد» في اللعبة العسكرية التي باتت على أبواب ساعة الصفر التي تتقارب عقاربها…!