مؤتمر وارسو… هل حقق ما يريد أن يحققه من أهداف!؟

هشام الهبيشان

من تابع ما جرى في مؤتمر وارسو، سيدرك أنه بات واضحاً أنّ «الصهاينة» ومن معهم في المنطقة من أنظمة عربية رسمية وداعميهم في الغرب، مصمّمون أكثر من أيّ وقت مضى على إعلان قريب لبداية الحرب العسكرية «غير المباشرة» مرحلياً «على إيران وحلفائها، مستغلين فوضى الإقليم، بعد أن تمّت شيطنة إيران غربياً وبالمنطقة إعلامياً، وبقراءة موضوعية لما تسرّب في الإعلام حول ما يدور خلف الأبواب المغلقة في وارسو، والذي يعكس بالضرورة الصدى الحقيقي لما يُحاك داخل دوائر صنع القرار الصهيوني والأميركي، وهنا أجزم أنّ «إسرائيل الصهيونية» بدأت تعدّ لحرب كبيرة ستفرض وجودها بقوة على الإقليم المضطرب في شكل كامل، ويلاحظ جميع المتابعين لتداخلات وتقاطعات الفوضى في الإقليم ومسار تحركات الأهداف «الصهيونية» في الإقليم ككلّ، أنّ لدى «الصهاينة» رغبة جامحة في التحرك عسكرياً باتجاه فرض حرب جديدة في المنطقة، وخصوصاً بعد فشلهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية لعملية «درع الشمال» الأخيرة في الجنوب اللبناني، من هذا المنطلق، أجزم أن تكون أولى مغامرات ما بعد وارسو، هي قيام «إسرائيل الصهيونية» وبدعم من بعض الأنظمة السياسية العربية وبدعم كامل ومطلق من أميركا بعمل عسكري شمالاً أو جنوباً، ستسعى لجرّ إيران له.

ومع الاحترام الكامل لكلّ وجهة نظر تتحدث عن فشل مؤتمر وارسو، أجزم أنّ المؤتمر حقق ما يريد تحقيقه، ومجرد جلوس ممثلي بعض الأنظمة العربية على طاولة واحدة مع نتنياهو للخوض في تفاصيل الحرب على إيران، هو اختراق وإنجاز حقيقي بالنسبة للأميركي والصهيوني، وهذا المطلوب من هذا المؤتمر «إعلامياً» على الاقل، واليوم من يتابع الصحافة الصهيونية وما كتبه وتحدث به بعض الخبراء الصهاينة، سيتأكد من حقيقة ما نتحدث به هنا، فهؤلاء بمجموعهم يؤكدون انّ ما قبل مؤتمر وارسو لن يكون كما بعده، فهو يؤسّس لمرحلة جديدة ومنعطف في المنطقة بمجموعها، يصبّ بالمحصلة في خانة الربح الصهيوني، فالقضية والملف الفلسطيني تم تجاوزه، وتمّ القفز عنه، وبقرار من أنظمة عربية رسمية وفاعلة، والذهاب باتجاه صراع مفتوح مع إيران وحلفائها في المنطقة.

واليوم يؤكد الخبراء الصهاينة أيضاً، انه خلف كواليس بدأ يستتر تعاون أمني واسع بين معظم الأنظمة العربية والكيان الصهيوني، وهو آخذ بالتطوّر، ففي مؤتمر وارسو على حدّ وصفهم بدأت تتنامى منظومة علاقات حميمة جداً «مع بعض الأنظمة في المنطقة وخصوصاً مع بعض دول الخليج وغيرها من الدول، لأنّ هوية المصالح متشابهة، فمضمون مسار هذه العلاقات كما وصفها أحد الخبراء الصهاينة يتلخص بالآتي، حسب قوله «اليوم للعلاقات شكل معيّن بمعنى آخر هم يجلسون معنا في غرف وطاولات واحدة ويتصافحون ويتفقون على كلّ شيء، وأمام شاشات وسائل الإعلام، هذا إنجاز حقيقي وتاريخي لإسرائيل»… وهنا من الواضح أنّ حديث خبراء وجنرالات وساسة الكيان الصهيوني عن تطوّر العلاقات بينهم وبين معظم الأنظمة العربية، لم يعد يأخذ منحى عابراً، بل أصبحت علاقة يرعاها الأميركي بين الكيان الصهيوني وهذه الأنظمة، وهذا ما يوحي بتطورات ومشاريع خطيرة ستعيشها المنطقة في المقبل من الأيام.

هنا، وفي ظلّ الحديث عن دور واشنطن في هذه التطورات المتوقعة، تركزت التقارير العسكرية والسياسية الأميركية في الأسابيع والأيام القليلة الماضية، على تعاظم قوة إيران وحلفائها العسكرية، وتشير هذه التقارير إلى أنّ تعاظم قوة إيران النارية والعسكرية تعدّ نكسة كبيرة للمشروع الرامي إلى إعادة رسم موازين ومواقع القوى في المنطقة، فلوجستية القوة العسكرية الإيرانية العالية وقوة الردع العالية التي يملكها الإيرانيون، والمخزون الهائل من السلاح المتطور الذي يملكه الإيرانيون، سوف تؤدّي بمجموعها إلى إحداث تغيير جذري في الخارطة العسكرية لأطراف الصراع في المنطقة، والمقصود بأطراف الصراع وفقاً للمقصد الأميركي، قوى المقاومة من جهة، والصهاينة ومن معهم في المنطقة العربية من جهة أخرى.

ومن هنا، نستنتج أنّ قادة وصناع الرأي والقرار الأميركي بدأوا يدركون أكثر من أيّ وقت مضى أنّ مشروعهم الأكبر الرامي إلى تعظيم قوة «إسرائيل الصهيونية» في المنطقة بدأ يواجه خطراً وجودياً، لهذا تسعى دوائر صنع القرار الأميركي إلى دعم ودفع «إسرائيل الصهيونية» نحو حرب جديدة في المنطقة لعلها تستطيع استعادة جزء من هيبتها في الإقليم بعد هزائمها المتلاحقة منذ عام 2000 وحتى اليوم.

الإيرانيون وحلفائهم في المنطقة، بدورهم متيقنين من حتمية المواجهة المؤجلة منذ زمن مع «الإسرائيليين»، ولكن هذه المرة ستكون المواجهة مختلفة، وليست كأيّ مواجهة تقليدية محتملة، فالإيرانيون وحلفاؤهم في المنطقة سيواجهون ثلاثة أعداء هذه المرة، وهم: أعداء وعملاء الداخل، بالإضافة إلى العدو الرئيسي «إسرائيل الصهيونية» ومن معها في المنطقة العربية من أنظمة عربية رسمية، وأميركا ومن يتفق وينسجم مع رؤيتها في الغرب، وكلّ هؤلاء يجمعهم هدف واحد هو ضرب وشلّ القدرات اللوجستية والعسكرية لإيران وحلفائها، وهذا ما تؤكد عليه دوائر صنع القرار الأميركي في شكل دائم، باعثة رسائل طمأنة لـ»إسرائيل الصهيونية»، مضمونها أنّ حربك المنتظرة مع إيران وحلفائها، ستثير ردود فعل إقليمية وعربية داعمة ومؤيدة.

وهنا… وليس بعيداً عما تمّ الاتفاق عليه في مؤتمر وارسو، وليس بعيداً أيضاً عما يجري في فلسطين ولبنان واليمن وسورية وما يخطط لاستهداف العراق وتفجيره من الداخل، فهناك علامات ومؤشرات واضحة على مشروعٍ واضح، يسعى لإسقاط إيران في جحيم الفوضى، وذلك من خلال إسقاط مفاهيم الفوضى بكلّ تجلياتها المأساوية على الحالة الإيرانية، كاستنساخٍ عن التجربة السورية، لتكون هي النواة الأولى لإسقاط إيران، تحديداً في جحيم هذه الفوضى، وهنا لنعترف جميعاً، بأنّ استراتيجية الحرب التي تنتهجها بعض القوى الدولية والإقليمية على إيران، ومن خلف الكواليس بدأت تفرض واقعاً جديداً، وإيقاعاً جديداً لطريقة عملها ومخطط سيرها، فما يجري الآن في إيران تحديداً ما هو إلا تمهيد لفصول قادمة سيكون عنوانها الرئيسي »إدخال إيران كلّ إيران في حرب استنزاف لضرب دور إيران في المنطقة، ولتحجيم قوتها ومكانتها العسكرية والإقليمية».

اليوم هناك حقائق موثقة في هذه المرحلة تحديداً، تقول إنّ إيران بدأت تتعرّض لشبه حرب خارجية يتمّ تنفيذها عبر أدوات داخلية، وهذه الحقائق نفسها تقول إنّ هنالك مجاميع مسلحة إيرانية وغير إيرانية تتيع قوميات عدة، بدأت بالتحرك علناً بالداخل الإيراني وتنفيذ عمليات بالداخل الإيراني، وما الحوادث الأخيرة واستهداف المقرات الامنية والعسكرية، إلا رسالة أولى من هذه المجاميع المتطرفة المدعومة من اعداء إيران، بأنهم قادرون على إيذاء إيران بكلّ أركانها، وأنّ حرب إيران مع هؤلاء، هي حرب طويلة ولن تقف عند حدود العمليات المنفردة، ولن تنتهي عند حدود الهجمات المنظمة، فأدوات الحرب المستخدمة بالتجربة السورية، يتمّ اليوم تفعيلها بالساحة الإيرانية لعلها تنجح كما يأمل أعداء إيران وبالتزامن مع الضغوط السياسية والاقتصادية بأن تسقط إيران في أتون الفوضى العارمة.

هذا الملف بالتحديد ومحاولة استنساخ التجربة السورية وإسقاطها على الحالة الإيرانية، يحتاج اليوم إلى يقظة من كلّ أركان الدولة الإيرانية، لإيقاف مسار هذه الحرب «الخفية» التي تستهدف إيران اليوم، ومع أنّ هنالك بعض القوى السياسية والفكرية والمجتمعية في إيران، قد أدركت مبكراً، حجم الخطورة المتولّدة عن هذه الفوضى الممنهجة، وتنبّهت مبكراً إلى خطورة ما هو آتٍ، وبدأت تسعى للعمل على نهج سياسي اقصادي ثقافي سليم للتصدّي لهذه الفوضى المتعدّدة الأشكال والفصول، ولكن ما زالت وإلى الآن فئات من المسيّسين في الخارج من الإيرانيين، تسعى لاستغلال هذا الظرف الصعب من عمر الدولة الإيرانية لتحقيق أهداف خاصة بها، وهذه الفئات التقت أهدافها وحقدها وكراهيتها مع أهداف وحقد وكراهية أعداء إيران، سعياً إلى نشر فكر الإرهاب والقتل والتدمير في الداخل الإيراني.

ختاماً، أعود وأؤكد، انّ مؤتمر وارسو حقق للأميركي والصهيوني ما يريدون تحقيقه، وهو مقدّمة خطيرة لتطورات خطيرة جداً ستعيشها المنطقة بمجموعها، في المقبل القريب من الأيام، وهو كان المقدّمة وبرضى وبقرار «رسمي» عربي لتصفية القضية الفلسطينية «حسب مشروع وصفقة ترامب»، والقفز عن هذه القضية نحو صراع مفتوح مع إيران وحلفائها في المنطقة، يجسد نظرياً وواقعياً حقيقة تحالف معظم النظام الرسمي العربي مع الكيان الصهيوني،ضد إيران ومن معها في المنطقة… ولهذا علينا جميعاً في المنطقة ان ندرك انه ينتظرنا صيف ساخن جداً، وسيناريوات كارثية تدميرية تتنظر شعوب المنطقة بمجموعها، والرابح الأكبر منها هو الكيان الصهيوني والأميركي… فهل من صحوة؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى