هل تتحمّل كتلة المستقبل خسارة مقعد نيابي؟
روزانا رمّال
باللحظة التي أعلن فيها المجلس الدستوري عن نتيجة الطعن الانتخابي الذي قدّمته لائحة «الكرامة» بوجه تيار «المستقبل» والذي يدور بين المطعون بنيابتها ديما جمالي وطه ناجي استحضرت كل أنواع الأسئلة ومعها الاحتمالات وخلطت كل الاوراق في طرابلس الشمال، لكن مما لا شك فيه هو أن الوضع الذي يعيشه تيار المستقبل هناك أفضل بكثير من ذلك الذي كان عشية الانتخابات الأخيرة في شهر أيار الماضي، حيث دارت الانتخابات وفق القانون النسبي «الحديث» التطبيق من دون أن يمنع ذلك من المعركة القاسية التي خاضها تيار المستقبل مقابل رموز المدينة بين الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق فيصل كرامي وحلفاء الماضي كاللواء أشرف ريفي الذي كان واحداً من أقوى مفاجئات المدينة في الانتخابات البلدية والذي حصد رقماً أكد شعبية جدية له موجودة في المدينة.
أما المفارقة فهي عدم رضى طرفي النزاع عن نتيجة المجلس الدستوري الأخيرة، فلا المستقبل راضٍ على ما صدر عن النائب بهية الحريري التي ترأست اجتماع كتلة المستقبل قبل أن تتوجّه ديما جمالي إلى بيت الوسط للقاء بالرئيس سعد الحريري ولا طه ناجي الذي عبر عن رفضه ومفاجأته ولائحة الكرامة بلسان فيصل كرامي من النتيجة واصفاً ما جرى بـ «السرقة».
لكن يبدو أن جمالي كانت تتحضّر لمثل هذا الطعن وتبدو أيضاً أنها كانت فعلاً قلقة من النتيجة عكس ما حكي عن احتمائها بالسفارة السعودية طيلة هذه الفترة، لكن اليوم كل شيء تغيّر، وربما نسبة القلق التي عاشتها جمالي لم تعد موجودة باعتبار أن كل شيء تغيّر بعد تشكيل الحكومة والظروف التي حالت دون بعض التحالفات في طرابلس سقطت اليوم بعد أن حاول الحريري إرضاء الجميع بالتمثيل الوزاري عدا عن أن الانتخابات ستجرى على النظام الأكثري ما يعني بحسب أكثرية الخبراء أن النتيجة محسومة لديما جمالي ما وضع استفهاماً حول سياق عمل المجلس الدستوري.
نظريتان تحيطان بهذا الطرح، الأولى أنه عندما تكون النتيجة متقاربة لا حل امام المجلس الدستوري سوى إعادة الانتخابات على ما أكد الوزير سليم جريصاتي، لكن النظرية الثانية تعتبر من الاساس أن إسقاط نيابة أحد الاطراف تعني تلقائياً تجيير النتيجة لصالح الخصم، فيقفل الملف لأن الطعن تقدّم على أساس استحصال حق الفوز لا إعادة الانتخابات.
بالعودة إلى حظوظ جمالي الكبيرة مقابل طه ناجي، فهي تتلخّص بالتالي وأخطرها سياسي:
أولاً: لقد حصدت جمالي شعبية طيلة الأشهر الماضية خلال ممارستها عملها النيابي ومواظبتها عليه واستفادتها من الإطلالات الإعلامية ما يكفي ليشد الناس الى مواقفها او الإضاءة عليها أكثر، في حين أن ناجي غير جاهز بالكامل لخوض معركة انتخابية لوجستياً على الرغم من أن المهلة المقدمة شهران.
ثانياً: أن التحالفات السياسية وأخصها التي تجمع ميقاتي والحريري والصفدي اليوم وإن لم تكن واضحة المعالم والأسس لكن يمكن وضعها في إطار التفاهمات على إدارة المرحلة المقبلة وقد تكفّلت بتوزير ماجد أفيوني وفيوليت خيرالله تتكفل وحدها بالإشارة الى دعم جمالي في الانتخابات حتى ان الوزير اشرف ريفي لن يقف هذه المرة ضد الحريري في معركة يقوم بها من يعتبره حليفاً قوياً لسورية في الشمال اي فيصل كرامي. ومن جهة الرئيس ميقاتي فقد فوجئ من قرار المجلس الدستوري طالباً من كوادره البقاء على اعلى جهوزية تحضيراً للمعركة النيابية أي أن الأجواء ستشحن على هذا الاساس السياسي.
ثالثاً: الأهم هو ان هذه المشكلة هي أخطر بكثير من مسألة توزير نائب سني من «اللقاء التشاوري» والتي توقف عندها البلد شهوراً، لأنها تمس بصميم شعبية الحريري في الشارع السني خصوصاً الطرابلسي الذي تواجه مصاعب عديدة رموز المدينة، كما ان الحريري او تيار المستقبل لا يحتمل خسارة اي مقعد من مقاعده «السنية» بعد النتيجة القاسية التي حققها بالانتخابات التي خيّبت آماله. عموماً لهذا السبب توالت الأسئلة حول إمكانية انحياز المجلس الدستوري مراضاة للسلطة الأمر الذي يزيد المشهد تعقيداً.
ربما يكون المجلس الدستوري قد حكم بما لا يرتب المزيد من التعقيدات مستنداً الى نظرية مقبولة عند بعض الدستوريين، لكنها غير مفهومة بحالة الطعن بفوز او خسارة لأن مجرد الحكم بسحب النيابة تعني فوزاً للجهة التي قدمت الطعن ليصبح السؤال بعد كل هذه المعطيات التي تصب في جهة فوز ديما جمالي أن يكون قد «أحرج طه ناجي ليُخرج؟»، هل ستخوض لائحة الكرامة الانتخابات وتقبل النتيجة؟ ام ان المفاجآت في الشارع الطرابلسي واردة..
النتيجة غير المرضية التي حصدها الحريري بعد الانتخابات تؤكد تأثرها بتحولات المنطقة والجوار وقد كشفت نتيجة الانتخابات التي غيرت وجه المجلس النيابي بدخول حلفاء إيران وسورية من الباب العريض ان التنازل عن مقعد سني هو استحالة بالنسبة للحريري والمشهد فعلاً قد يتحول الى معركة اذا لم تصب الاصوات بتحالفات واضحة مع جمالي، لأن تيار المستقبل لا يتحمل المزيد من الخسائر في الشارع السني.