الأسد لا يحتاج إلى تعويم من القوات

د. وفيق إبراهيم

تبدو الفكرة مثيرة للقهقهة، فكيف يمكن لرئيس صمد عقداً كاملاً في وجه أعتى أنواع الإرهاب المدعوم أميركياً وخليجياً وتركياً و«إسرائيلياً»، أن يكون بحاجة للسيد سمير جعجع لحماية دولته.

تجيب هذه المقدّمة على تصريح حديث لقائد القوات اللبنانية، رأى فيه أنّ عودة النازحين السوريين الى بلادهم والتطبيع مع سورية، هما وسائل لتعويم الرئيس السوري بشار الأسد!

وسرعان ما يتبيّن انّ هذه الآراء ناتجة عن «جلسة كيف» في معراب تفتقت فيها مخيّلة جعجع عن آراء تؤكد دائماً على اعتماد «اللبنانيين» على قوى الخارج لتحطيم الآخرين، وهم كدأبهم في سبات أهل الكهف العميق.

لتبيان الحقائق، يتضح على الفور أنّ الدولة السورية حاربت الإرهاب التكفيري المعولم والأدوار العسكرية التركية والهجمات «الإسرائيلية» والاحتلال الأميركي في الشرق المدعوم بقوات أوروبية، وكانت حدود سورية مقفلة مع تركيا والأردن والعراق ومشلولة مع لبنان، مقابل السماح للإرهابيين فقط باجتيازها إلى الداخل السوري مع تأييد سياسي وإعلامي من الفريق الخليجي ـ الأميركي في لبنان.

لقد أفرز هذا القتال العالمي فريقين متصارعين هما فريق الدولة السورية وروسيا وإيران وحزب الله، مقابل الفريق الأميركي ـ «الإسرائيلي» ـ الخليجي ـ الأوروبي، فيما بدت تركيا وكأنها تستغلّ الفريقين لخدمة مطامعها في الداخل السوري مع الاستمرار في أطلسيتها.

لكن نجاح الدولة في تحرير نحو 140 ألف كيلومتر مربع من سورية، أدّى إلى شبه هزيمة للفريق الأميركي، وتجسّد في سعي الأميركيين للانسحاب الجوي منها مع محاولاتهم لتجديد الحرب السورية في شرقي البلاد بتنظيم أنماط جديدة من الصراعات.

لكنهم تنبّهوا إلى الارتدادات الإقليمية لتراجعهم في الميدان فأوقفوا حركة الدبلوماسي والسياسي مع سورية متمكّنين من لجم السعودية وأوروبا والكثير من الدول العربية والأفريقية، لكن الإمارات والبحرين وعمان والسودان، وصلوا إلى دمشق معاودين فتح سفاراتهم فيها، إلا أنهم التزموا بالنهي الأميركي عن التطبيع.

المؤسف هنا، أنّ الدول تبني علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية وفق مصالح شعوبها واستقرار أنظمتها.

فالاقتصاد واستراتيجية العلاقات يبنيان في الغالب السياسات الخارجية للدول. بيد أنّ لبنان لا يطبّق هذه القاعدة، لأنّ قواه الداخلية باعت إراداتها للخارج منذ ولادة لبنان الكبير في 1920، ويصادف أنّ قوات جعجع تنتمي إلى هذه القوى بالوراثة.

وضعف الحيلة وقلة القدرات، فكيف يمكن لبلد كلبنان متدهور اقتصادياً بشكل مخيف ان تتعمّد بعض قواه عرقلة عودة نحو مليون ونصف مليون نازح سوري تتوفر لمعظمهم فرصة العودة الآمنة والمفيدة الى وطنهم.

انّ المدقق في مزاعم السيد جعجع يُصاب بالذهول لادّعاء الحكيم» انّ «الأسد لا يريد عودة النازحين ويعرقلها» وهذا كلام جديد لقوات لبنانية كانت تُعرب وقبل أسبوعين فقط عن مخاوفها من قتل النظام السوري للنازحين، وتتهمه بأنه قتل شعبه منذ السنين الماضية، فيما تكشف أرقام المرصد السوري «المعارض للأسد» عن مقتل 300 ألف مدني سوري من الموالين للدولة الى جانب نحو مئتي ألف جندي ورجل أمن من قوات الأسد. وهؤلاء قتلهم الإرهاب الداعشي المغطى من أصدقاء السيد جعجع.

وإذا كان قائد القوات يعتقد انّ الرئيس الأسد لا يريد إعادة النازحين، فلماذا لا يضعه قيد التجربة، ويدعم فكرة عودتهم، وإذا لم تسهّل لهم دولتهم السورية العودة اليها فيحق عندها لـ «الحكيم» ان يتهم الأسد ودولته.

تُثبت هذه المراوغات أنّ هناك التزاماً «قواتياً» بالسياسة الغربية السعودية التي تربط بين عودة النازحين وإعادة تحسين مواقعها المتراجعة في الميدان السوري. لذلك يطالب الأميركيون بتشكيل لجنة دستورية تتضمّن الحصة الكبرى لفريق المعارضة التكفيرية فيما تصِرّ تركيا على غالبية للاخوان المسلمين مقابل مطالبات الدولة على تمثيل وازن للشعب السوري الصامد منذ عقد على الأقلّ.

إنما ماذا تستفيد «القوات» من تأييدها الموقف الغربي؟

تسجل انتماء لمحور سعودي ـ خليجي غربي هو الوحيد القادر على دعمها داخلياً في وجه التيار الوطني الحر، فيصبح بإمكانها السيطرة على الساحة المسيحية، كما إنها تعرقل الصعود الداخلي لحزب الله في الداخل اللبناني وذلك بإثارة الخلافات داخل حكومة الحريري فتمنع بناء سياسات إنتاجية مزدهرة. كما تخدم الغرب بعرقلة الدولة السورية في استعادة النازحين منها، فترجئ بذلك استقرار الدولة.

انّ سياسات جعجع ليست حكراً على «قواته» في الداخل اللبناني، هناك قوى أخرى مربكة حالياً، لكنها في طور التهيئة لدعم جعجع في محاولاته.

وهذا يجعل الأمور واضحة، فهناك أحزاب سياسية لا تهتمّ بمصالح وطنها، والدليل انّ لبنان الذي تشكل سورية مداه الاستراتيجي والاقتصادي لانطلاقته نحو الأردن والعراق والخليج، مغلول اليدين بسياسات بعض من قواه الداخلية التي لا تفكر إلا بمصالح أحزابها وقياداتهم ومنهم بالطبع «الحكيم» وحلفائه الذين يغامرون بلبنان في لعبة الانخراط في محاور إقليمية معادية للمنطقة، ويزعمون أنّ الرئيس الأسد لا يريد عودة النازحين…!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى