عون: التغيير الديموغرافي وتقسيم فلسطين ورفض حق العودة تأسيس لمشرق جديد غريب عن هويته الجامعة

أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنّ الحوار بين الثقافات والحضارات والأديان هو الوسيلة الفضلى للقضاء على آفة الإرهاب، ولتحصين الأجيال الطالعة ضدّ الأفكار المتطرفة، وتنشئتها على احترام حرّيّة المعتقد والرأي والتعبير وحقّ الاختلاف حتى تستعيد مجتمعاتنا الاستقرار والأمان.

واعتبر أنّ من أهمّ أهداف الأحداث التي جرت خلال السنوات المنصرمة، «تحويل مجتمعات مشرقنا الى مجتمعات عنصرية آحادية الطابع متنافرة متقاتلة، وهذا ما يجب أن نرفضه ونقاومه بكلّ ما أوتينا من عزم وصلابة». وقال: «أرض المشرق لا يجب أن تفرغ من أهلها، ومهد المسيح ودرب الجلجلة والقبر المقدّس لا يمكن أن تكون من دون مسيحيين، كما لا يمكن للقدس وللمسجد الأقصى أن يكونا من دون المسلمين، فلا مياه تنساب إذا جفت ينابيعها».

ولفت الرئيس عون إلى «انّ النزف البشري الحاصل والهجرة القسرية لبعض المكوّنات، والمحاولات الحثيثة للتغيير الديموغرافي، مضافةً الى تهجيرات الحقبة الماضية وتقسيم فلسطين وتشريد أهلها، واستكمال الضغوط اليوم لتهجير من تبقّى منهم، ورفض حقّ عودتهم إلى بلادهم وتوطينهم في البلدان التي هُجّروا إليها، تؤسّس كلها لمشرق جديد، غريب عن هويته الجامعة، وبعيد كلّ البعد عمّا يمتاز به من تنوّع ديني ومجتمعي وثقافي».

كلام رئيس الجمهورية جاء في خلال افتتاحه «مؤتمر البطاركة والأساقفة حول كاريتاس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» الذي حمل عنوان: «خدمة الخير العام في إطار بيئة تعددية»، والذي انعقد في دير سيدة الجبل في فتقا، كسروان، وذلك بحضور رئيس مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ورئيس كاريتاس الدولية الكاردينال لويس انطونيو تاغلي، وعميد الدائرة الفاتيكانية المعنيّة بخدمة التنمیة البشریة المتكاملة الكاردينال بيتر كودوو آپّيا توركسون، وعميد مجمع الكنائس الشرقية في حاضرة الفاتيكان الكاردينال ليوناردو ساندري ممثلا بالأب قرياقوس شيروبوزاتوتاتيل، والسفير البابوي لدى لبنان المونسنيور جوزف سبيتري، الى حشد من الاساقفة والمسؤولين في كاريتاس وفاعليات سياسية وروحية وناشطة في الحقل الاجتماعي.

وأشار رئيس الجمهورية إلى أنّ لبنان، بمجتمعه التعدّدي وبما يختزن من خبرات أبنائه المنتشرين في كلّ بقاع الأرض، وبما يشكل من عصارة حضارات وثقافات عاشها على مرّ العصور، مؤتمن على الرسالة التي تحدث عنها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، ولا يحق له أن يفرّط بها أو أن يتجاهلها.

واعتبر أنّ أهمية جمعية كاريتاس الحقيقية، تكمن في نشاطها العابر للطوائف والأعراق والدول والانتماءات، وهي بذلك تساهم بكسر حواجز التطرّف والتقوقع والانغلاق ورفض الآخر المختلف.

وقال البطريرك الراعي في كلمة من جهته، «نرجو حلول الاستقرار مع تأليف الحكومة الجديدة. ولا ننسى التأثير الاقتصادي والاجتماعي والإنمائي والثقافي والأمني الذي أوجده المليون ونصف مليون نازح من سورية بالإضافة الى نصف مليون لاجئ فلسطيني. ما يشكل نصف سكان لبنان، غير المهيأ لاستقبال مثل هذا العدد الباهظ على رقعة جغرافية مساحتها فقط 10452 كم2، وهي أصلاً غير قادرة على استيعاب سكانه الأربعة ملايين، فمن الضرورة الملحة أن يعود النازحون السوريون إلى وطنهم لكي ينعموا فيه بحقوقهم المدنية ويواصلوا تاريخهم ويحافظوا على ثقافتهم وحضارتهم. ومن الواجب بالتالي حماية لبنان من مخاطر هذا الوجود المرهق فيما ثلث سكانه تحت مستوى الفقر، و 40 من أبنائه في حالة بطالة. ويجب على المجتمع الدولي، ان يفصل بين الحلّ السياسي في سورية وعودة النازحين وإلا كان مصيرهم مثل اللاجئين الفلسطينيين الذين ينتظرون الحلّ السياسي منذ 71 سنة، والكلّ على حساب لبنان وشعبه. وهذا لا يمكن قبوله».

وكان رئيس كاريتاس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كبرييل حتِّي، أمل «أن يشكّل هذا الحدث البارز الذي يجمعنا معاً فرصة لإنشاء روابط جديدة بين الناس والمؤسسات المكرّسة لبناء حضارة تتمحور حول السلام وخدمة جميع البشر والخير العام». واعتبر أن «الكثيرين يعانون من الفقر الناجم عن ضعف المؤسسات الحكومية، والصراع المسلّح، والتطرّف، والكوارث الطبيعية التي تشهدها بعض بلداننا». وأضاف: «لكن يجب أن نتذكر أيضاً انّ شعوبنا تتمتع بالصمود، ولقد أثبتت جذورها قوّتها على مدى آلاف السنين الماضية، وهي مغروسة ومتجذرة في أرض تاريخنا، وراسخة ليبقى فيها ابناؤها».

والقى السفير البابوي في لبنان المونسنيور جوزف سبيتيري كلمة شدّد فيها على أهمية الدور الذي تلعبه جمعية «كاريتاس» في قلب الكنيسة الكاثوليكية في مختلف الدول والمناطق. وبعد ان نقل أمنيات البابا فرنسيس وصلواته وبركاته، ذكّر بأن الوجود المسيحي الكاثوليكي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعود الى بداية الدين المسيحي، ولكن بعض المجتمعات المسيحية تمكّنت من النمو في أماكن محدّدة فيما ناضلت في أماكن أخرى من أجل البقاء.

ثم ألقى الأب قرياقوس شيروبو زاتوتاتيل كلمة باسم الكاردينال ساندري اعتبر فيها ان تحدّي الحرب والعنف ماثل على مرأى ومسمع العالم كله، كما هو تحدي المحبة الفعّالة التي يقدمها الكثيرون من خلال منظمات كاريتاس الوطنية والمؤسسات الكاثوليكية الأخرى من أجل إغاثة إخوانهم وأخواتهم.

وبعد ترنيمة: Ave MARIA التي أنشدتها السيدة تانيا قسيس، شدّد الكاردينال تاغلي في كلمة على دور كاريتاس في «ان تكون صوت الكنيسة وعلامتها وأداتها في إيصال رسالة الرحمة والمحبة والخدمة في العالم، وبصورة خاصة في الشرق الاوسط ولبنان.

وتحدث الكاردينال توركسون، فشرح مفهوم خدمة التنمية البشرية الشاملة، مشيراً الى ان الحبر الاعظم انشأ لهذه الخدمة دائرة جديدة في الكرسي الرسولي في العام 2016، وهي معنيّة بالتنمية المتكاملة، ومهمتها مساعدة كاريتاس وتسهيل عمليات الدمج بين مختلف الدوائر، متمنيا للمؤتمرين النجاح.

وفي نشاطه، أجرى رئيس الجمهورية مع النائب سليم عون جولة أفق تناولت الأوضاع العامة في البلاد في ضوء التطورات الأخيرة. وبعد اللقاء، قال النائب عون إنه نقل إلى رئيس الجمهورية معاناة أهل البقاع والنازحين السوريين نتيجة تأخير البتّ في عودتهم لأنّ في ذلك مصلحة لبنان العليا. وأضاف: «نحن إلى جانب الرئيس عون وندعم مساعيه لتأمين عودة آمنة للنازحين، ونحن على ثقة بأنّ ما يطالب به الرئيس عون وما يعمل له إنما يجسّد رغبة جميع اللبنانيين ويحفظ سيادة لبنان ويؤمن مصلحته العليا».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى