الاتفاق بين بغداد وأربيل: الأسباب والأهداف
حميدي العبدالله
تمّ التوصل إلى اتفاق مبدئي بين الحكومة المركزية العراقية في بغداد وبين حكومة إقليم كردستان، يقضي الاتفاق بأن تخصص الحكومة العراقية 500 مليون دولار شهرياً كرواتب لموظفي إقليم كردستان، مقابل أن تقوم حكومة إقليم كردستان بالسماح للحكومة المركزية العراقية بالتصرف بـ150 ألف برميل من النفط يومياً بالنفط الخام الخاضع لسيطرة إقليم كردستان.
بمعزل عن ماهية الاتفاق، ومن الذي ربح ومن الذي خسر، ثمة أسباب جعلت الاتفاق ممكناً الآن بعد أن كان متعذراً في السابق، وهناك أهداف يسعى إليها كلّ طرف من وراء ذلك. بالنسبة إلى الحكومة المركزية في بغداد فإنّ الأولوية اليوم للوحدة والتضامن لإلحاق الهزيمة بتنظيم «داعش» الذي بات تهديداً تفوق أخطاره أي تهديدات أخرى، بما في ذلك التهديدات الناجمة عن طريقة تصرف حكومة إقليم كردستان بالموارد الوطنية والأسلوب الذي تسعى إلى فرضه لاقتسام هذه الموارد مع حكومة بغداد.
كما أن حكومة بغداد ترى أنّ أفضل وسيلة للحدّ من اللعب على الصراعات العراقية الداخلية، سواء من قبل تركيا، أو من قبل الدول الغربية، هو إنهاء الخلاف مع حكومة إقليم كردستان، أو على الأقلّ جعل هذه الخلافات شأنا داخليا عراقيا، وهذه هي الأسباب والأهداف التي دفعت حكومة بغداد لتقديم تنازلات كانت ترفض في وقت سابق تقديمها.
أما بالنسبة إلى حكومة إقليم كردستان فإنّ أهداف ودوافع مشابهة دفعتها أيضاً إلى التحلي بشيء من المرونة، والاستعداد للوصول إلى تسوية حول بعض القضايا الشائكة وليس كلها، لأنّ قضية كركوك وقضايا أخرى لا تزال مثار خلاف وترفض حكومة أربيل تقديم أيّ تنازلات في هذه المسائل، وجدّدت رفضها دخول الجيش العرقي إلى كركوك، أو المناطق التي سيطرت عليها البشمركة بعد تمدّد «داعش» في نينوى وصلاح الدين وديالى. فحكومة أربيل باتت على قناعة بأنّ عدم التوصل إلى اتفاق مع حكومة بغداد حول بعض القضايا، بما يتيح العمل بشكل مشترك، سوف يؤثر على مساعيها لمواجهة «داعش»، لا سيما أن حكومات غربية كثيرة ربطت تقديم أي مساعدة عسكرية لإقليم كردستان بموافقة الحكومة المركزية في بغداد، وخطر «داعش» بتهديد حكومة أربيل قائم طالما استمرّ هذا التنظيم بالسيطرة على الموصل وأجزاء واسعة من محافظة نينوى. كما أنّ استمرار الاعتماد على التعاون مع الحكومة التركية في ظلّ التوتر الذي يسود الآن بين أنقرة والحكومات الغربية، وفي ظلّ موقف تركيا من عين العرب، سيكون له تبعات سلبية كثيرة على حكومة أربيل، ولا سيما على مسعود البارزاني وحزبه، وصعوبة الاتكال على تركيا تحتم على حكومة أربيل تسوية بعض خلافاتها مع الحكومة المركزية في بغداد، هذه هي الأسباب والأهداف التي مكنت الطرفين من تسوية خلافاتهما، ولا شك أنّ خطر «داعش» كان المحرك الأساسي للوصول إلى هذه النتيجة.