أين الثريا من الثرى؟!

د. سلوى الخليل الأمين

المواطن في واد ورجال السياسية في لبنان في واد آخر، هم سكان الدور والقصور المبنية من عرق وجهد الناس، والمواطن هو الفقير المعدم المبتلي بالفساد الغذائي وحالة الوطن المتخبّطة بالمسارات العشوائية التي لا تدري أين سبل النجاة، بعد أن فشلت الدولة في احتضان ناسها، والحفاظ على صحتهم، وتأمين لقمة عيشهم النظيفة، فالطامة الكبرى اليوم هي في الهرولة حول الميكروبات والتلوث في المواد الغذائية وجشع التجار وانهزام الضمير، والفساد المستشرس الذي شجع وزير الصحة الشاب المتحمّس وائل أبو فاعور، شارب حليب السباع، في زمن انقراض السباع في غابة بيت بو سياسة، إلى شنّ حملة شعواء على مراكز البيع التي تتاجر بصحة الناس وغذائهم.

فلمن يعلم ولمن لا يعلم، خصوصاً أركان الدولة الحميدة، أنّ كلّ ما هو في لبنان فاسد ومفسد، وليس فقط المواد الغذائية، التي أفسحت المجال للأمراض المستعصية للتسرّب إلى كلّ بيت، وهذا لم يعرف مسبقاً، فمن الأمراض السرطانية إلى الالزهايمر إلى أمراض السكري وغسيل الكلى والأمراض العصبية المتفشية بكثرة بين مختلف الأعمار والتي باتت تقلق الناس من سوء المصير. ناهيك عن الأمور الحياتية الأخرى من قانون الانتخاب الأعوج المعفن في الأدراج، وصولاً إلى رواتب الموظفين الضئيلة، التي لا تليق بحجم الشهادات التي يحملها الموظف بعد جهاد مرير مع جيوب الآباء، الذين جاهدوا كي ينال أبناؤهم المراتب الوظيفية المشرفة والضامنة حياتهم من العوز أو تبوؤ المواقع الحياتية المتنوعة التي تقيهم الحاجة وذلّ السؤال، إضافة إلى الطبابة التي ترهق فواتيرها الباهظة كاهل المواطن، بحيث تؤدّي في أغلب الأوقات بالإنسان الفقير إلى الموت على أبواب المستشفيات، أو طرق أبواب المحسنين والرأسماليين منهم على وجه الخصوص، الذين أطلق عليهم لقب: سادة العمل الخيري، لكثرة تفشي مؤسساتهم التي تتعاطى الخير من أجل شراء الضمائر والعقول معاً، زد على ذلك أسعار الدواء المرتفعة، والدين العام المتراكم، والرصيد المالي المتوجب تأمينه لمحكمة دولية مسيّسة وغير قانونية، تبطل ما تشاء وتدين من تشاء، بعيداً عن ميزان العدالة التي هي سيدة الأحكام.

إضافة إلى كلّ هذا، لا يجوز إهمال الحديث عن منابع النفط والغاز المغلقة والمحظر الكشف عنها، بينما «إسرائيل» تفعل بالقرب من آبارنا النفطية ما يحلو لها من دون حسيب أو رقيب، وعن أقساط المدارس والجامعات والمواد الغذائية التي ترتفع أسعارها شهرياً من دون رادع أو وازع، مع العلم أنّ رواتب الموظفين مجمّدة، ولم تزد قرشاً واحداً، منذ ما يقارب 16 عاماً، هذا الفعل الخطير لا يمكن أن يحدث في الدول المتحضرة، التي ترفع رواتب موظفيها من دون إضرابات أو تعطيل امتحانات بناء لارتفاع مؤشر الغلاء، وذلك حرصاً من السلطات الحاكمة الموكلة بتأمين مصلحة المواطن، بعيداً عن فذلكات المحاسبين الموهوبين في عمليات الجمع والطرح، والتلاعب بالواجب الوطني الذي هو التهرّب من دفع الضرائب المتوجبة بحكم القانون، كما يحدث في لبنان وعلى عينك يا تاجر.

للأسف هذا ما يحدث في لبنان، من دون حسيب أو رقيب أو فحوص مخبرية تشجع الرقابة السليمة التي تخبط خبط عشواء في الوطن المهزوز أصلاً، فاستدراج المواطن عبر مؤتمرات صحافية فضائحية لم يعد يجدي نفعاً في عملية الجذب الجماهيري، التي أرادها بطل الساحة وزير الصحة حدثاً شعبياً من خلال طرحه قضية «الأمن الغذائي»، التي جعلته مزهواً بفتح جبهة التلاعب بصحة المواطنين من دون أيّ اعتبار لحيتان المال المستوردين الذين لن يهدأ لهم بال أمام هذا السيل الجارف من الإجراءات الرادعة التي أقدم عليها معالي الوزير من دون أخذ الحذر المطلوب تأمينه قطعاً قبل الإقدام على هكذا خطوة تضرّ حكماً برجال الاقتصاد الذين عطلوا سابقاً التوقيع على سلسلة الرتب والرواتب.

ربما كان من الأسلم لو عمد وزير الصحة إلى التفاهم مع زملائه من الوزراء المعنيّين لوضع خطة عمل مشتركة من أجل تجهيز خلية عمل تضمّ مفتشي وزارة السياحة ومراقبي وزارة الاقتصاد وخبراء وزارة الزراعة وأطباء وزارة الصحة كي يكون الأمر ملزماً للجميع، وبالتالي من الصعب تجاوزه أو انتقاده أو التغاضي عنه مستقبلاً للضرورة الوطنية، خصوصاً أنّ العيون كلها باتت مفتوحة كما العقول على أهمية الحفاظ على الأمن الغذائي للمواطن اللبناني رغم كلّ الظروف، بحيث بات من الصعب المماطلة والتسويف وكبت الضجيج، لأنّ معالم الصحة الغذائية لا تقبل الجدال أو الارتهان مهما علا شأن المحرك، فالحدث مؤلم ومزعج وخطير، وخطورته تكمن في فتح الباب على مصراعيه إبان هذه الظروف المربكة التي تمرّ بها الحكومة، بدءاً من عرسال وأسرى الجيش المرهونين عند «داعش» و«النصرة»، وصولاً إلى معركة طرابلس وما نتج عنها من اعتقالات وتغطية لبعض قادة المحاور الذين تمّت مساعدتهم من أجل تواريهم عن أنظار الدولة والقضاء، إضافة إلى مشكلة النازحين السوريين وعبء استمرارها والمتاجرة بها. هذه الأمور بمجملها وضعت الوطن تحت مجهر المواطن الذي بات يتوقع الأسوأ متحسّباً لما قد يطرأ، مسقطاً من يومياته عملية الثقة التي باتت مهزوزة بينه وبين الرجل المسؤول الممدّد له، مهما علت رتبه ومراتبه.

فالمواطن اللبناني محروم من تأمين الطبابة المجانية، والتأمين الصحي الدائم، ومجانية التعليم وإلزاميته، ومراقبة أقساط التعليم الخاص مراقبة دقيقة، وتأمين العمل للخرّيجين شابات وشباناً توخياً لعدم خسارة الوطن للقدرات الشبابية والكفاءات المبدعة، وفي الوقت ذاته تغرق الشوارع بالمياه عند نزول المطر وتحبس الناس في السيارات فتتعطل المواعيد خصوصاً المَرضيّة منها، ويقع الكثيرون في سوء العاقبة حين وزارة الأشغال غير قادرة على تأمين طرقات خالية من الحفر تجنّب المواطن الذي يشتري سيارته بالتقسيط المريح من خسارة سيارته مع آخر قسط يؤدّيه للمصرف الذي كبّله بسندات الدين المرهقة، التي نتجت عن عدم وجود خطط إنمائية تلحظ وجود وسائل نقل توفر على المواطن عدم تلوّث البيئة وزحمة السير، إضافة إلى عدم اللجوء إلى المشاكل اليومية الناتجة عن اكتظاظ الشوارع والحارات والأرصفة بالسيارات التي لا تجد لها مواقف بسبب المربّعات الأمنية التي باتت تلحظ أيضاً بعض موظفي الدولة وأولادهم وزوجاتهم الذين يعتمدون على سلطة أمنية تتلقى رواتبها من عرق الناس، وتعمل في الوقت ذاته على مصادرة مواقف سياراتهم في البنايات والشوارع المحيطة بأماكن سكن المحظوظين من أبناء الدولة العليّة وعائلاتهم وأبنائهم، بغضّ النظر عن الضرر اللاحق بالمواطن اللبناني الآخر الذي ربما يفوق هذا المحظوظ قيمة وقدراً ورتباً علمية ومعرفية… مع العلم أنه غاب عن بال المسؤولين الأمنيين أنّ البيت الأبيض مقرّ الرئيس الأميركي باراك أوباما وعائلته ومنزل نائب الرئيس جو بايدن وكلّ السفارات حتى الروسية والبريطانية الموجودة في واشنطن، وقد زرتها جميعها خلال رحلتي الأخيرة، لا توجد حولها حراسة مشدّدة ولا من يحزنون، وبالتالي هي ممرّ ومستقرّ للسياح الذين يرغبون بأخذ الصور التذكارية أمام أبوابها المشرعة للجميع.

أخيراً يصحّ السؤال: أين الثريا من الثرى؟ أين ما يحصل عليه المواطن اللبناني من حقوق مقابل ما يحصل عليه المواطن في دول الغرب؟ فهنا المواطن لا يعرف بمن يستغيث، حيث لا ناصر له ولا معين، في دولته القادرة على التمدّد الدائم والتمديد المستمرّ، وهو أيضاً المواطن الصابر على الضيم والفاقة وجفاف حنفيات المنازل من مائها السلسبيل، في الوقت الذي تذهب فيه مياه الأمطار والينابيع والأنهار إلى البحر الفاتح صدره لتلقف تلك المياه العذبة التي تخفف ملوحة مياهه المرتاحة لغمامات السماء الزرقاء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى