أوباما و«الثمانين حرامي»… و«افتح يا شرق أوسط»

د. حسام الدين خلاصي

يعاود الرئيس الأميركي باراك حسين أوباما النغمة القديمة التي أطلقها مع بداية مسلسل الربيع العربي حول تنحي الرئيس الأسد عن الحكم، وآنذاك ربط رحيل الرئيس الأسد بفكرة تطبيق الديمقراطية وانتفاضة الشعوب ودعماً منه للشعب العربي السوري.

إعلامياً كان لهذه الجملة على الرئيس الأسد أن يرحل وقع كبير على ضعاف النفوس وعلى الشامتين من دول الجوار، وخاصة الكيان الصهيوني وأعراب الخليج والإخواني التركي، ولأنّ رئيس اقوى دولة في العالم قالها صار الجميع يتحدث بها على أنها أمر واقع لا محالة، فقبل الرئيس الأسد رحل رؤساء عرب كثيرون بأمر من السيد الأسود للبيت البيض او بمؤامرة أو باغتيال أو تنفيذاً وحباً وطاعة، وانتظر الجميع وحبس أنفاسه في انتظار ما سيحدث، والنتيجة كانت أنه لم يحدث شيء بل رحل رؤساء آخرون واستفاقت سورية وقائدها على حرب ضروس خطط لها رحل أم لم يرحل الرئيس الأسد، الذي وعى أهمية دوره الوطني والعربي، وبقي في المكان وكرّر للتاريخ في انتخابات شهدتها سورية إيمان الشعب العربي السوري في أن يكون رئيساً للجمهورية العربية السورية رغم جعير أوباما و«الثمانين حرامي» معه، وصمد الأسد وشعبه وجيشه.

فالقصة كما اتضح منذ تونس لا تتعلق برحيل رئيس وإنما برحيل بلد وانهيار دول لتصبح فاشلة تحت رحمة الإدارة الأميركية والصهيونية.

ومن الملاحظ والمعروف أنّ عصابات التطرف كلها وعلى رأسها عصبة «الإخوان المسلمين» كانت موعودة بأن تكون على رأس السلطة في كلّ بلد يدخلها «الربيع العربي» مكافأة لها على جهودها في تفتيت البلد من الداخل عبر القوة الناعمة وتغلغلها في مفاصل الإدارة والاستخبارات في تلك الدول، ونتيجة لذلك كانت المرشح الأول لتتسلم، ولأول مرة وبعد غياب، زمام الأمور ومصير العرب لتحكم كما تصور البعض بالشريعة الاسلامية، لكن حقيقة الأمر انها كانت المطية التي ركبها الأميركان والصهاينة لتجهز الأرض بآلاف من المتشدّدين والأصوليين والسلفيين والوهابيين التكفريين استيراداً وصناعة محلية ثأراً لكرامة الاسلام السياسي الذي سقط بفعل الوعي الشعبي في بلاد مصر وتونس وسقط بفعل الاقتتال ليبيا وهو ساقط تاريخياً بحكم الوعي الحكومي والشعبي سورية التي عانت من إرهابهم طويلاً في الثمانينات .

إنّ تساقط حكومات «الإخوان المسلمين» الناشئة على تناقضات الربيع العربي أبقى رأس حربة وحيد هو الصهيوني أردوغان ليمثل الحلف الصريح بين الوهابية التكفيرية و«الإخوان المسلمين»، في محاولة مفضوحة لتبييض صفحة إجرامهم على حساب دماء سورية ومصرية طوال الفترة الماضية.

عودة إلى أوباما وعصابة «الثمانين حرامي»، والتي عقدت العزم معه على إسقاط الرئيس الأسد، يأتي تصريح أوباما الأخير برحيل الرئيس الأسد في خضم تغيّرات جديدة:

بعد استقدام «داعش» والبغدادي بن لادن الجديد إلى الأراضي السورية والعراقية، بعد أن نفذ صبر «إسرائيل» واميركا في أن يتهدّم كيان الجيش العربي السوري بل ما حصل كان العكس تماماً، والمقاومة اللبنانية ماضية في دعمها للتصدي لعصابات «الحرّ» و«النصرة»، صار من الضروري تغيير التخطيط، خاصة أنّ أوباما رئيس الولايات المتحدة الأميركية الذي سيرحل ويجلس قريباً إلى جانب سابقيه، وأنّ شركات الحزب الديمقراطي النفطية والتسليحية لم تجن ما وعدها به مع إدارته، وستعود مرابح المرحلة للشركات التالية في الحزب الجمهوري القادم بقوة إلى الكونغرس، صار لزاماً على الأسود سيد البيت الأبيض أن يعود ليقول أنا هنا ومجدّداً نغمة الواثق من نفسه على الرئيس السوري الأسد أن يرحل ولكنه في هذه المرحلة جنّ سياسياً وعسكرياً إذ ربط رحيل الأسد بالقضاء على «داعش»، ونسي حلم الديمقراطية الأميركية وصار مهووساً بالقضاء على «داعش»، وتناسى عن غباء وليس ثقة بأنّ الوحيد الذي يتصدّى لـ«داعش» في المنطقة وبالدليل القاطع هو الشعب العربي السوري والجيش العربي السوري وقائده الشرعي والدستوري الدكتور بشار الأسد، لأنّ ما يجري في العراق من دعم لجيشه من قبل أميركا للقضاء على «داعش» هو ذرّ للرماد في العيون وتحريك لأولاد «داعش» الجدد باتجاه سورية كي لا ينضب خزان الإرهاب واحتلال جديد لأراضي العراق.

بتنا نجد في داخل إدارة أوباما تناقضات واضحة، فجزء منها يقول ببقاء الأسد كضرورة للقضاء على «داعش» بعكس ما يصرح به أوباما، لذلك نجد أوروبا تهمس همساً في سبيل محاربة الإرهاب، ونجد المبادرات بدأت تهلّ من دي ميستورا ومن مصر ومن روسيا، لأنّ اللحظة التاريخية للبحث عن حلّ سياسي موجودة، وفي هذا إحراج للهزيل أوباما وإدارته، ولكنه أيّ أوباما يستنهض من جديد حلفاءه خدمة لتقسيم الشرق الأوسط، وفي مقدمتهم أبو بكر البغدادي الذي يحضّ على الاقتتال الطائفي في السعودية بين الشيعة والسنة، ويرتب أولويات العداء مع العالم ويبعد الكيان الصهيوني من دائرة حساباته كلياً لأنها مولاته ومولاة سيده أوباما.

إنّ العودة إلى الحديث عن رحيل الرئيس بشار الأسد هي محاولة جديدة لنسف بوادر الحلّ السياسي، وعودة إلى التمسك بالمخطط التلمودي الخطير عبر دعم «داعش» وخطة المناطق المجمّدة وتسريع لكسب المغانم، ليثبت أوباما لمن والاه بأنه أهل لما يصرّح به، ومن هنا نجد الثمانين حرامياً وربما أكثر وربما أقلّ يعادوا لينقسموا بين مؤيد ومعارض لبقاء أو رحيل الرئيس الأسد في الخفاء والعلن.

وتدلّ مضامين هذا الحديث من قبل أوباما عن رغبة أميركية حقيقية في كسب الوقت لتوسيع رقعة «داعش»، وها هي مبادرات البيعة لها في مصر، وقريباً لدى «حماس» في غزة وغيرها، لتبدو هذه الدول كدول فاشلة تستوجب التدخل الدولي للقضاء على «داعش» وتقسيم الشرق الأوسط، ومن هنا تعي الديبلوماسية السورية حقيقة المخطط الزمني، وتدير ظهرها للعبة الوقت، ويتقدم جيشها ليشغل النقاط الاستراتيجية لأنه يتوجب عدم اعتبار سورية منطلقاً للإرهاب، وبالتالي منطلقاً لعمليات محاربة الإرهاب من قبل التحالف الدولي الطامح لذلك بشدة.

إنّ رحيل الأسد القائد العام للجيش العربي السوري والقوات المسلحة يعني اختفاء الشرق الأوسط، هذا ما يدركه العقلاء في روسيا وإيران والصين وفي باقي أرجاء العالم، والذين يتوقع وصولهم إلى السلطة بعد زوال القيادات الغربية الحالية أو مجموعة المعارضين السياسين لأوباما وكاميرون وهولاند وأردوغان ومن لفّ لفّهم.

من هنا فإنّ عصابة أوباما الرئيس الراحل تطمح بأن تقول «افتح يا شرق أوسط» فيفتح، لكن هذا لم يحصل ولن يحصل لأنها لم تستعمل بعد الكلمة السرية الصحيحة وهي أنّ من يريد محاربة الإرهاب يجب أن يتشارك مع الجيش العربي السوري ومع الرئيس الدكتور بشار الأسد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى