مناعة الفاسدين اللبنانيين… سعودية وأميركية؟
د. وفيق ابراهيم
المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة رداً على «اتهامات عامة» بالفساد أطلقها النائب حسن فضل الله بدا «كديوان سعودي» يجمع ممثلين عن كلّ الأجيال السياسية التي تعاقبت على المؤسسات الدستورية والسياسية والإعلامية منذ 1992.
ما يشجع على هذا الاستنتاج انتماء كلّ هؤلاء الحاضرين ومن دون استثناء الى دائرة الفلك السعودي سياسياً، وإجماعهم على معاداة حزب الله وسورية وإيران، مع ولههم بتجربة آل سعود المتميّزة في المنطقة العربية.
وهي متميّزة في ديمقراطيتها وقرون أوسطيتها ودعمها للإرهاب الوهابي في كامل المنطقة العربية والإسلامية ومجازرها في اليمن وتنكيلها بكلّ أنواع حقوق الإنسان في المملكة وسياسة الذبح بالمنشار والتذويب بالأسيد، وتقييد الفكر ضمن رقصة «العرضة» ومسابقة «أجمل بعير».
ما هي الاتجاهات السياسية التي ضمّها المؤتمر؟
جمعَ حفنة من تيار المستقبل تنتمي إلى أجيال متعاقبة ملأت التمثيل الحريري السعودي في مراحل متباينة من 1992 2019 لكن معظمهم لم يعد يمتلك «اللمعة» السابقة التي كان عليها على الرغم من حضور النائب بهية الحريري عمّة رئيس الحكومة.
وهذا يكشفُ عن وجود حذرٍ فرضَ على الشيخ سعد «تعيير» حضوره السياسي في المؤتمر بنِسبٍ معتدلة، فإذا لم تتمكّن التحقيقات القضائية من إثبات تهمة الفساد على السنيورة فيستطيع الادّعاء بأنّ حمايته السياسية له كانت حاسمة.
كما يصبح بوسعه ادّعاء «التنصّل منه» في حال كشف التحقيقات لتورّطه وعندها يستطيع الزعم انّ الذين حضروا ليسوا مقرّبين منه وأدوارهم هامشية في حزب المستقبل.
أما عن السيدة بهية فحضرت لأنّ السنيورة هو زميلها على اللوائح النيابية وابن بلدتها.
ماذا عن مستوى «القوات اللبنانية»؟
بدا انّ مستوى حضورها كان وسطياً يؤمّن حاجتين: الصداقة العميقة مع السنيورة وطلب سعودي بالحضور لا يستطيعون رفضه.
فالقوات تهتمّ منذ مدة بتقديم نفسها كفئة حكومية غير فاسدة وتهاجم باستمرار الصفقات والفساد، ويقول البعض انّ استبعادها عن هذه الصفقات هو الذي يثير غضبها واستياءها وليس أكثر لأنّ تاريخها الميلشياوي مشجع بـ «الخوات النظامية» على المدن والقرى وبيع السلاح و»الأتاوات».
بدوره الحزب التقدمي الاشتراكي انفرد بتأمين حضور وزاري وسياسي يأتي في الأهمية بعد زعيمه وليد جنبلاط وولده تيمور.
وله في هذه المسألة أسبابه منها انّ الوزير جنبلاط هو الذي يقول علناً إنه «فاسد مثل الآخرين»، على قنوات التلفزة وفي تغريداته أيضاً.
وشعوره بابتعاد رئيس الحكومة عنه بالتوازي مع ارتفاع مستوى العداء بينه وبين التيار الوطني الحر هي عوامل تدفعه الى الحضور بتمثيل واسع هذا إلى جانب معرفته بالتغطية السعودية لمؤتمر السنيورة ما يكفي ليذهب إلى الصين.
هناك إضافة إلى هؤلاء من أحزاب الأحرار والكتائب والنائب السابق فارس سعيد إلى جانب الرئيس السابق ميشال سليمان، أليس لافتاً حضور ميشال سليمان؟ ومُؤكَّداً للتغطية السعودية لمؤتمر السنيورة؟
ما يمكن استنتاجه أولاً انّ التغطية السعودية للمؤتمر كاملة ومن دون مواربة، فلا يمكن للمملكة القبول بإدانة أحد رموزها السياسيين اللبنانيين بالفساد لأنها تمتدّ لتصبح إدانة للعلاقات السياسية لهؤلاء الفاسدين بالسعودية لذلك استقبل سفير المملكة وبعد يوم واحد من المؤتمر فؤاد السنيورة معمّماً صور اللقاء على وسائل الإعلام.
الاستنتاج الثاني انّ كلّ ممثلي القوى اللبنانية التي حضرت المؤتمر هم من الجماعة التاريخية للسفارة الأميركية، فكيف يتخلى الأميركيون عن «أكثر الحريريين» التصاقاً بهم؟ والممثل الفعلي لوجهاتهم السياسية والاقتصادية وكان الرئيس الراحل رفيق الحريري على علم بهذه العلاقة العميقة بين «الإدارات الأميركية» والسنيورة، لكنه آثر تجاهلها لأنها كانت مُعينةً له وليست مهدّدةً.
هناك إذاً تغطية سعودية أميركية لرئيس الحكومة السابق بوسعها إلزام فريقها اللبناني في المستقبل والاشتراكي والقوات والأحرار والكتائب والجماعات الدينية وسليمان والشخصيات السياسية والإعلامية أن تدافع عن السنيورة بكلّ قواها، لأنّ إدانته هي البيدق الأول في لعبة إسقاط متتابع لمجمل البيادق والتي يبدو طبيعياً انّ معظمها يعمل في إطار الولاء للأميركيين والسعوديين.
إنما متى تذهب الفئات نحو التصعيد الفعلي؟
ابتدأت هذه الفئات بمهاجمة ثلاث فئات تزعم أنها تستهدف السنيورة: «حزب الله المتهم بالإرهاب» كما يزعمون وسورية التي تريد العودة الى الساحة اللبنانية عبر ضرب أحزاب المستقبل والقوات والاشتراكي وإيران التي تُروّج لولاية الفقيه.
ويُنتظر ان تتصاعد الحملة بالوتيرة الطائفية والقومية سني شيعي عربي مجوسي فارسي بوتائر تواكب التحقيقات وتتصاعد حدّتها بالتدريج الى أن تصل إلى حدود تجميد حكومة الحريري أو تفجيرها بامتناع أوروبي وأميركي عن ايّ تعامل مع لبنان لأنّ حكومته تضمّ فريقاً متهماً بالإرهاب حسب زعمهم.
وهكذا لا ينجو السنيورة فقط، بل فريقاً لبنانياً كاملاً يمثل الخط الأميركي السعودي ويواصل عمله من أجل منع الترجمة الفعلية لمحاولات حزب الله وتحالفاته تأمين لبنان مستقلّ ومزدهر وخال من الفساد.
هذه هي لعبة الصراع المقبلة في الميدان اللبناني، والتي يبدو أنها متجهة للربط بين مستقبل الفاسدين في لبنان وبين انهيار النفوذ الأميركي – السعودي في الشرق.