النزوح السوري ومتاجرات الدول المضيفة…!
محمد ح. الحاج
قبل أن تكتمل فصول الخطة التآمرية لتخريب سورية كانت ثلاث من دول المنطقة على علم بالمهام المنوطة بها كدول، عدا لبنان، فقد كان جزء منه فقط على علم واطلاع وقبول بالمهمة: تركيا بموجب اتفاقية رسمية مع حلف الناتو ممثلاً بالخارجية الفرنسية، والأردن بموجب توجيهات بريطانيا، وتولت السعودية توجيه تيار المستقبل وبعض مناصريه من التنظيمات والأحزاب المناهضة لسورية في لبنان، وقد قامت الأطراف الثلاثة بتحضيرات لوجستية بعد تلقي الأموال اللازمة فأقام بعضها مثل تركيا أرضية وبنية تحتية لمخيمات تتسع لأعداد كثيرة والأردن بنسبة أقلّ وبقي الموقف طيّ الكتمان في لبنان، ولم تكن الأموال للإنفاق على النازحين سواء الهاربين بفعل الإرهاب أو الهاربين بفعل التحريض والتخويف والدعاية المعادية التي شوّهت صورة المجتمع السوري وشيطنت حكومته، بل كانت الأموال رشى للدول والأحزاب للمشاركة في المؤامرة، وقسم منها للإنفاق على تجهيز ونقل المرتزقة من الإرهابيين المحليين أو القادمين من أصقاع العالم المختلفة.
مصائب قوم عند قوم فوائد…!
فتحت تركيا حدودها ومارس الإعلام وأزلامها دورهم في التشجيع على النزوح، واتبعوا أساليب متعدّدة منها القوة والبطش، قتلاً وتفجيراً، وسارعت إلى وضع يدها على بعض المناطق عن طريق تنظيمات تدعمها وبعد أن قبضت من دول الخليج وضعت يدها على ثروات الشمال، معامل حلب، ومخزون القمح، والكثير من النفط وغربلت النازحين فاستبقت من يحمل أموالاً ودفعت بغيرهم باتجاه أوروبا حيث أغرقت دول الجوار وابتزتهم إلى آخر الحدود، ولمن لا يعلم فقد هاجر قسم كبير من أصحاب رؤوس الأموال والصناعيين باتجاه تركيا ومعهم أموالهم، ومنهم من دفع للمنظمات الإرهابية لنقل معمله شمالاً واستقرّ بعضهم في مدن اللواء ومنطقة غازي عنتاب ولديهم اليوم منشآت وشركات تجارية ورؤوس أموال لا يُستهان بها، إضافة إلى الأموال التي وردت إلى المضيف التركي من دول العالم على شكل معونات للنازحين، وعقدت تركيا صفقات مربحة مع المنظمات الدولية لتقديم مواد المعونات التي كانت ترد عبرها إلى منظمات الإغاثة والهلال الأحمر وغيره، وهكذا كانت المصيبة السورية فوائد جمة لدى الجانب التركي ساهمت في دعم اقتصاده وعوّضته عن خسائره التجارية المعطلة باتجاه الدول العربية عبر سورية.
الأردن بدوره فتح حدوده بالاتجاهين وأغمضت قيادته العين عن تسرّب آلاف المرتزقة من كلّ الجنسيات الخليجية والسودانية والصومالية، وجرى إدخال شحنات عديدة من الأسلحة بما فيها صناعة الكيان الصهيوني قبل أن تستولي عصابات داعش والنصرة على الحدود في الجولان وتتواصل مباشرة مع جيش العدو، كما أنشأ التحالف المعادي غرفة عمليات قريبة من الأراضي السورية أطلق عليها اسم غرفة الموك وضمّت ضباطاً ورجال استخبارات من كثير من الدول، أميركان وبريطانيين وصهاينة وسعوديين وقطريين وأردنيين وربما من جنسيات أخرى، ومهام هذه الغرفة توجيه العمليات ومساعدة العصابات على التسلّل والوصول إلى مناطق وممرّات آمنة بعد عبور الحدود بدلالة ومساعدة من العناصر العميلة في الداخل، سواء المدنيين من الاخوان، أو بعض العسكريين المنشقين لقاء المال عن جسم الجيش الوطني بعد ارتكابهم الخيانة العظمى، وقد استفاد الأردن من أموال الخليج والمعونات المقدّمة تحت شعار المساعدة الإنسانية للنازحين، وأيضاً من شحنات الأسلحة المقدّمة من الغرب للعصابات بعد تسديد أثمانها من قبل دول الخليج، وإذ ينفي الأردن ضلوعه في المؤامرة ومحاولة قواته اعتراض المتسللين فإنما كان الاعتراض يحصل باتجاه واحد هو الدخول باتجاه الأراضي الأردنية، وهناك احتمال أنّ السلوك الأردني حصل بضغوط من الإدارة الأميركية وبريطانيا ومشاركة خليجية، ورضوخه كان بسبب العامل الاقتصادي أكثر منه عداء لسورية على قاعدة مبدئية.
اعتقد الجناح اللبناني المشارك في المؤامرة أنه يعمل بعيداً عن الأعين ولم يدرك أنّ الرقابة السورية كانت تحيط به، فبعد أن تلقى مخصّصاته من أموال المؤامرة بدأت أبواقه ببث التحريض على الدولة والجيش واتهامهما بما لم يحدث، وانصبّت الدعاية اللبنانية على تصوير ما يحصل أنه حرب طائفية تشنّها الدولة على الطائفة التي تمثل أغلبية الشعب، وكان لهذا تأثيره في بعض الأوساط، وخصوصاً في بعض المدن وأريافها، وتركز النشاط اللبناني في بدايته ضمن محافظتي دمشق وحمص، وتالياً في حلب وريفها وإدلب بعد أن أوجد جهاز تيار المستقبل مقراً له في مدينة غازي عنتاب، أداره النائب السابق عقاب صقر وعند انكشافه أعلن أنه يقوم بتوفير حليب الأطفال ومستلزماتهم والبطانيات… وكان بضمن هذه الشحنات أنواع حديثة من الصواريخ ومن كلّ الأصناف، مضادات الدروع والطيران وغيرها إضافة إلى الذخائر، وكلها وردت عبر شحنات تكشف منها الباخرة «لطف الله 2» والتي كانت سبقتها «لطف الله 1» وغيرها، وشكلت فضيحة جرى لفلفتها على الساحة اللبنانية، وقد حدث ذلك بواسطة نصف الدولة اللبنانية مع تضامن أحزاب «القوات اللبنانية» و»الكتائب» و»الاشتراكي» مع تيار المستقبل لقاء رشوة مالية خليجية، وحصد لبنان إضافة إلى ذلك الكثير من الأموال لصرفها على النازحين الذين لم يتلقوا سوى الفتات وهم الذين كانوا موعودين بالثراء والبحبوحة ومورست عليهم صنوف وألوان من الإذلال والمهانة.
لو يعلم اللبنانيون الحقيقة…!
القيادات اللبنانية التي خدمت مشروع تدمير سورية حصدت من الأموال ما لا يخطر ببال أحد من الشعب اللبناني، ولأنّ هذه القيادات غير معنية بالسوريين ولا بمعاناتهم فقد عملت سراً على إلحاق الأذى بهم بشكل أوسع خصوصاً بعد انتخابات الرئاسة 2014 واكتشاف أنّ أغلبهم من المخلصين لوطنهم وأنّ خروجهم جرى بسبب التهويل أو الخوف أو بعد دخول الإرهاب قراهم والسيطرة عليها، أما ما لا يعرفه الشعب اللبناني فهو حجم الأموال السورية المودعة في البنوك اللبنانية وأنّ فائض فوائدها يكفي تكاليف معيشة النازحين دون أن يعملوا، وأنّ كثيراً من رساميل الأثرياء السوريين تموّل مشاريع ومصانع يعمل بها آلاف اللبنانيين لتوفير معيشة عائلاتهم، أما الأموال التي ترد من الخارج فقد كان يتسلّمها أطراف بعينهم، دون حسابات ولا رقابة وكان يجري تقاسمها وكما يُقال بالعامية: كانوا يوزعون من الجمل أذنه، لقد فضحهم أخيرً حمد بن جاسم وأعلن المبالغ التي قبضها كلّ واحد منهم.
تركيا اليوم بعد أن غربلت النازحين، ومنحت الجنسية لكثيرين على أمل اقتطاع جزء من الأرض السورية وإفراغها من سكانها الأصليين على غرار جرابلس أو عفرين وإسكان هؤلاء ضمن الإمارة المحمية، وربما في زمن قادم تطالب باستفتاء هناك لإلحاق هذه المحمية بأراضيها إحياء لأطماع لم تمت أبداً. وتستخدم كثير ممن بقي على أراضيها فزاعة لابتزاز دول الاتحاد الأوروبي على أنها ستعيد فتح أبواب الهجرة باتجاه دوله.
الأردن استوفى دوره ولا أمل لمزيد من الاستثمار، حكومته اليوم تفتح أبواب العودة، والسوريون في الأردن ليسوا أعداد كبيرة… انهم يعودون، لم يتضرّر الأردن أبداً بسبب النزوح، بل استفاد حقاً، ويبحث عن مصالحه بعودة العلاقة مع الشام ولا مستقبل دونها.
في لبنان حيث الإذلال الأكبر للسوريين، تقف جهات معروفة ضدّ عودتهم لتستمرّ بالمتاجرة، وتصرّح التي استوزرت أخيراً بأنّ الرئيس الأسد لا يريد عودتهم بل يعمل لتوطين جنسيات أخرى، وهي هنا تتهم الرئيس بما كان سيفعله العدوان وأدوات العدوان، وتوحي لمن يسمع حديثها بأنها واسعة الاطلاع، حقاً، لديها أسرار باعتبارها واحدة من أعضاء المحفل وترتبط بجهاز الاستخبارات المركزية، كان حريّ بها أن تعلن أنّ الحكومة وبسبب موقف الأسد الذي ادّعته ستبادر إلى إعادة النازحين بدلاً من الاحتفاظ بهم والمتاجرة بقضيتهم شراكة مع الأطراف الأخرى وعلى رأسها تيار الحريري وأتباعه ووقف المتاجرة والابتزاز.
الحكومة السورية تعلن وتناشد الجميع للعودة، وقد تأكد للجميع جديتها، ولا يمكن لأحد الادّعاء بأنها تبحث عن سكان جدد لمنحهم الجنسية والأرض فلنا في مواطنينا الذين غرّرت بهم الدعاية الكاذبة والأدوات المشبوهة ما يكفينا فخراً واعتزازاً بهم، عدا من باعوا أنفسهم للشيطان ويعرفهم الجميع كما يعرفون أنفسهم، هؤلاء بقرارهم لن يعودوا فلتحتفظ بهم الوزيرة مي شدياق وقواتها وأزلام مستقبل بني سعود ومن معهم وإلى أبد الآبدين… آمين.