أغار عليك يا وطني…!
خلود الوتار قاسم
أعطتني منظمة دولية كامل ثقتها لكي أمثلها في البرلمان الأوروبي من غير أن تضع عليّ أية محاذير، وأنا اللبنانية صاحبة الجواز السفر الوحيد وهو اللبناني… هي دولة غريبة أعطتني ثقتها بعد أن تأكدت من جدّيتي في العمل ضمن إطار وصول المرأة إلى مراكز القرار في كافة دول العالم…
بينما للأسف في دولنا فإنّ تعيين المناصب يتمّ على قاعدة المحسوبية والواسطة وليس مهماً أن يكون هذا الشخص أهلاً للثقة في تمثيله للوطن.
لذا أغار عليك يا وطني… وأغار منكم يا باقي الأوطان! أحسدكم على تكاتفكم… أحسدكم على وطنيتكم المبنية على أساس واحد متين… أحسدكم على طموحكم لبناء أوطانكم… أحسدكم على تمتعكم بأولادكم وفخركم بأنهم أداة بناء أرضكم… أحسدكم بمحبة وأتمنى ان نحذو حذوكم…
عندما أجد دولاً تغطي نصف مساحة الأرض تجتمع بصورة دائمة ومنتظمة… دول من أعراق واثنيات مختلفة… من تاريخ مختلف… دول تتحدّث أكثر من ثلاثين لغة مختلفة، فقد كان هنالك في مؤتمر لدراسة وضع اللاجئين 32 مترجم لهذه اللغات… ومع كلّ هذه الاختلافات إلا أنها تجتمع على مصلحة جامعة لها…
كلّ شخص كان يتحدّث بهدف البناء…
كلّ مداخلة كانت سبيلاً لإيجاد حلول لمشاكل عالقة،
كلّ فكرة كانت احتمالاً أو رؤية لمشاكل ممكن أن تواجههم…
كلّ رؤية كانت حلماً مستقبلياً للأخذ بمجتمعاتهم نحو تطوّر الإنسان في بلادهم… نعم أقول بلادهم لأنهم شعب يبني… نحن ماذا يدور في اجتماعاتنا في هذا البلد الذي لا يشكل قرية في مساحته مقارنة بتلك البلاد… اجتماعاتنا مبنية على الكيدية والسمسرات والمصلحة الشخصية، وعلى دمار الإنسان والإنسانية…
يا للأسف… شعب من تراب واحد، تاريخ واحد، لغة واحدة لا نفقه مصلحتنا الواحدة ولا نعرف السبيل إليها… التعامل بالكيدية وإفشال المشاريع لمجرّد أنّ الآخر فكّر بها هو ما يميّزنا… ولكن إلى متى؟
أغار عليك يا بلدي وأشمئز من لعنة الـ «أنا» المهيمنة على ثقافتنا…
أغار عليك يا وطني وأغار من هذه الدول المجتمعة للبناء، ولكن لا بدّ من الاعتراف بأنها شعوب تستحق الحياة ونحن شعب نستحق ما يصيبنا لأنّ «الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يُغيّروا ما بأنفسهم»… نحن الآن في مرحلة مفصلية من تاريخ الوطن علينا أن نعي أهمية دورنا لكي نقوم به على أكمل وجه وندفع بعجلة التغيير التي تهبّ في المنطقة لكي تصبّ في مصلحة بلدنا ولكي تناسب مجتمعنا…
الوعي… الوعي لمصلحتنا الجامعة… وطننا واقع في انزلاق متسارع نحو قعر الهاوية إذا لم نستفق من هذه الأنانية المدمّرة لكلّ إنسان فينا… المدمّرة لمجتمعنا بأسره… وكلّ إنسان مسؤول…!