ضعف الإمكانات أضاع الفولكلور وأسقط الموروث الشعبي مسرحياً

سعد الله الخليل

ربما اعتقدت «فرقة تكات» التي ذاع صيتها خلال فترة قصيرة ماضية بنشرها على وسائل التواصل الاجتماعي أغاني تراثية وشعبية بتوزيع جديد، بأن الجلوس على أرض مسرح دار الثقافة بحمص فوق بساط قديم يقدّم صورة فنية رائعة، ترفع أداءهم الغنائي والموسيقي الذي أقل ما يمكن أن يقال عنه بدائي لا يرقى لمسارح كبيرة تتسع ما يقارب ألفاً من الحضور، فالعازفون الثلاثة بزق كيبورد رقّ لم يستطيعوا التغطية على إمكانيات مغنّي الفرقة الصوتية المحدودة، وكذلك أيضاً تقنيات الإضاءة التي لم تخدم الفرقة وبدت وكأنها إضافات كعدّة إبهار فاجأت الجمهور بألوانها، وحده فريق التصوير الكبير المنتشر في كل مكان، يبدو أنه يستعد لدوره بعد الحفلة للترويج للفرقة على وسائل التواصل الملعب الحقيقي لها.

جبر

«البناء» التقت مغنية «تكات» صفاء جبر التي اعتبرت أن رسالة الفرقة تقديم التراث والشعبي من منظور «تكات» الخاص، ونجاح الفرقة يقيّم من خلال المشاهدات على وسائل التواصل المرتفعة كمقياس لنجاح.

وعن استمرارية الفرقة وتطوير مستواها الفنّي ترى أن تماسك «تكات» الخمسة كأصابع اليد الواحدة كفيل باستمرارها.

فيما يعتبر علاء فندي مغني «تكات» أنّ الفرقة أعادت للجمهور أغاني كانت منسيّة، وهي مطالبة بتطوير أدائها الفنّي والغنائي ضمن مشروع مستقبلي، خصوصاً أن عمر الفرقة أربعة أشهر فقط.

الماغوط

أسامة الماغوط عازف كيبورد أكد أن «تكات» تقدّم الأغنية من منظور آخر، وبناء عليه يُعاد التوزيع الموسيقي، واستبعد الماغوط أن تنحو الفرقة نحو إعداد أغاني خاصة فيها خلال المستقبل القريب، وستبقى تعمل ضمن منظور «تكات»، الأمر الذي يستدعي التساؤل حول المعنى الحقيقي لمنظور خاص لفرقة عمرها أشهر.

في بهو مديرية الثقافة كان ممثل شركة «SOLO» المنظمة للحفل والتي تعرّف عن نفسها بالتخصّص بحفلات «دي جي»، وتقديم خدمات الإضاءة وتنظيم المؤتمرات، هاني عزوز يحاول منع دخول الإعلام بانتظار بدء الحفلة باعتباره متعهّداً للحفل ومسددّ لأجرة المسرح فيمنع من يشاء ويسمح كذلك، دونما أدنى اعتبار لمكانة المسرح وتقاليده كمنبر إبداع مفتوح أمام الإعلام في كل الفعاليات حتى السياسية منها، وربما كشف مستوى الفرقة دوافع عزوز حيث أصرّ أعضاؤها على نيل موافقته قبل الإدلاء بأي تصريح للإعلام الذي دخل بعد جهد.

إلى مسرح دار الثقافة في حمص الذي دخله كبار نجوم سورية خلال السنوات الماضية على سبيل الذكر لا الحصر ومع احترام ألقابهم الكبيرة: دريد لحام، أيمن زيدان، عبداللطيف عبد الحميد، زيناتي قدسية، غادة حرب، نادين خوري، قيس الشيخ نجيب، علي كريم، سلاف فواخرجي، باسل الخطيب، جود سعيد، طاهر مامللي، ليندا بيطار، إياد حنّا، ميس حرب، كارمن تكمجي ومئات من المواهب.

دخلت فرقة «تكات» مفترشة الأرض ومع الأغنية الأولى بدا واضحاً الفرق بين إمكانيات الفرقة على الميديا وعلى أرض الواقع، فالإمكانيات الصوتية محدودة والمزج بين الألحان المعروفة للأغاني والتوزيع الجديد للفرقة بدا غير مفهوم، وربما بدوا متعارضَيْن في أحيان كثيرة، حيث فشلت محاولات الاستعراض بتمرير وقت الحفل الذي استمرّ ساعة وعشرين دقيقة لحفل غاب عنه موسيقيي حمص حتى الشباب منهم.

ربما يشفع لمديرية الثقافة بأن الحفل من تنظيم متعهّد، فالسعر المرتفع لبطاقة الدخول 1500 ليرة أقل من 3 دولارات مقابل 500 لأغلب الحفلات ولكبار الفنانين، تركت تساؤلات عديدة عن أسباب رفع السعر خاصة وتبدأ بأن عمر الفرقة 4 أشهر مروراً بالديكور البسيط للمسرح، ولا تنتهي عند زجاجة الماء الوحيدة على المسرح التي تتناقلها الفرقة أثناء الحفل.

جمهور الحفل المتنوّع من حيث الأعمار انعكس تفكيره على آرائه، فشريحة المراهقين الذين أخذت الحرب منهم سنوات حساسة بتفكيرهم، تراقصت طرباً على ما اعتبرته حنيناً إلى وطن ما قبل الحرب يجهلون تفاصيله، فيما اعتبرت الشريحة التي قدّر لها أن تسمع التراث الجميل على حقيقته أو الموزع بطريقة احترافية فتفاجأت بما اعتبرته لعباً بالأغنية التراثية دون مبرر، وبإمكانيات متواضعة أظهرت فجاجة الفكرة، وتوقعت على الأقل أن ترى ما هو أجمل على المسرح بعكس الصورة على وسائل التواصل.

انتقادات الأوساط الموسيقيّة حول سورية للفكرة تدور حول العبث وتشويه جزء من التراث بتغيير الفكرة العامة، فإبطاء الأغنية يعدّ تشويهاً لا توزيعاً موسيقياً، كما أن رؤية ونمط الفرقة تائهان بين التراث والشعبي لكونها شوّهت التراث ولم تُضِفْ له شيئاً.

وفي هذا السياق كتبت الفنانة ليندا بيطار مدرسة مادة الغناء في المعهد العالي للموسيقى بدمشق على صفحتها الشخصية على «الفيسبوك» تعليقاً على سكتش «يا بوردين عالمايا» للمطرب الفراتي الراحل ذياب مشهور، بمشاركة الفنان القدير دريد لحام والتي دمجتها «تكات»: «يعني مع احترامي لهالفرقة واللي أنا أول الناس إلي مدحتهن وكتبتلن عالأغنية الشعبية إلي عاملينها بطريقة تانية.. بس إنو تمدّ القصة ليصير في تلاعب بلحن أغنيات التراث أبداً ما مقبول هالشي.. يعني هوي الحيلة والفتيلة، وهدا صار تطاول ع المقدّسات وتطاول على ملحنين كبار وما تبقى».

في برنامج الفرقة، بحسب تصريحات القائمين عليها حفلات في حلب ودمشق وطرطوس واللاذقية وهناك سيقول جمهورها كلمته أيضاً.

ربما هي الحرب التي تفرز ظواهر فنية مشوّهة كانعكاسات لتشوهات الواقع الاجتماعية والفكرية والأخلاقية كما فجرت مواهب شريحة كبيرة من السوريين، وربما تتغلغل سطوة المال التي تتحكم بمفاصل فنية عديدة لتمرير منتج يشبه صورتها، لكن يقين السوريين أن زوال الحرب سيزيل من اتكأ على ركامها ليبقى الراسخون على صخر صوانها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى