هل لدى روسيا ما تحتاجه دول الخليج؟!
د. وفيق إبراهيم
ظروف العلاقة الروسية الواعدة مع دول الخليج موجودة فروسيا تريد استثمار نصرها في ميدان سورية وتوسعها التدريجي في أماكن استراتيجية مختلفة. ودول الخليج تعاني انهياراً في أدوارها الإقليمية والعربية. وتخشى على استقرارها الداخلي من تركيا من جهة وإيران من جهة أخرى واليمن من جهة ثالثة.
فهل التوقيت ملائم؟
الخليج معروف بالتصاقه بالمحور الأميركي منذ 1945 تاريخ توقيع معاهدة كوينسي بين عبد العزيز السعودي وروزفلت الأميركي. ما أدى إلى حصر حركته الدولية والخارجية والنطاق الأميركي وخدمة سياساته الكبرى، ما أتاح له بناء دور إقليمي في العالمين العربي والإسلامي وضعه بكامله في خدمة تسهيل الأحادية الأميركية في العالم.
علماً أن للسعودية دوراً أساسياً في الإمساك الأميركي المنفرد بالقرار الدولي… وذلك بمساهماتها الدينية والمادية في إنتاج منظمة القاعدة المتحدرة من التراث الوهابي.. واستعمالها في التصدي للاتحاد السوفياتي أثناء احتلاله لافغانستان في سبعينيات القرن الماضي.. «فالقاعدة» المرتبطة آنذاك بالمخابرات السعودية تسليحاً وتمويلاً طوّرت خطاباً دينياً تكفيرياً امسك بمنظمة طالبان الافغانية، وشّنا حرب تحرير أدت إلى جانب سباق التسليح العالمي إلى إرهاق الاتحاد السوفياتي ودفعه إلى الانهيار 1989 .
يسجل هذا التاريخ بدايات أزمة دول الخليج التي وجدت نفسها مكرهة على تطبيق خطط أميركية لتدمير إيران وإنهاء القضية الفلسطينية وتفتيت سورية والعراق وإثارة الاضطرابات في ليبيا وتونس ومصر والصومال والسودان.. وتركيا وبلدان أخرى، يبدو هنا أنّ السعودية والامارات اعتقدتا من خطأ أن انغماسهما يؤدي تلقائياً إلى صعود دوريهما عربياً ودولياً. لذلك لم تبخلا بشيء من مال وعقيدة وهابية وتحريض مذهبي وعرقي في سبيل إنجاح المشروع الأميركي، إلا أنّ الحصاد جاء مخيباً للآمال… لم ينجح الأميركيون والخليجيون في تطويع افغانستان والعراق وخسروا في سورية عاجزين عن تطويع اليمن وتدمير إيران.. حتى أن تركيا لم تستسلم لأوامرهم.
إنما ما زاد الأمر سوءاً هو ما أفرزته السياسات الدولية للرئيس الأميركي دونالد ترامب من توتير علاقات بلاده مع روسيا واوروبا واليابان والصين، لم يفرق فيها بين حليف ومنافس.. واضعاً جميع الدول تحت منشار المصالح الاقتصادية الأميركية فقط. ومتسبباً بتدهور العلاقات حتى بين الأحزاب الأميركية في الداخل.
لكن المصيبة الثالثة، جاءت على شكل كمين تركي كشف اغتيال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الإعلامي جمال الخاشقجي في قنصلية السعودية في اسطنبول التركية.
فأصبح كل المناهضين في العالم لسياسات ترامب يهاجمونها من خلال جريمة اغتيال الخاشقجي، حتى أصبحت مصدر تنديد عالمي يومي ومادة دسمة للحزب الديموقراطي الأميركي ووسيلة أوروبية لاستنكار همجية آل سعود للوصول إلى ترامب شخصياً.
وأصبحت حرب اليمن المنسية هي الأسلوب الوحيد للنيل من الحلف الأميركي ـ السعودي الذي تسبب حتى الآن بقتل عشرات آلاف المدنيين اليمنيين. وجاء الصراع القطري مع السعودية والامارات بمثابة اعلان الانهيار الكبير للدور الإقليمي للخليج بقيادته السعودية. فبدت هذه الأزمة وكأنها فبركة أميركية لكنها لا تسمح لها بالارتقاء إلى حدود الحرب وتمنعها من الوصول إلى الحل وذلك وسيلة لابتزاز أميركي دائم للاقتصادات الخليجية. بالمقابل التقطت روسيا ببراعة هذا التراجع الخليجي المتواكب مع ازدياد أهمية موسكو في الإقليم الشرق أوسطي.
هناك اعتبارات عدة تمنحها أهمية «الحج» إلى الخليج. فروسيا لم تعد اتحاداً سوفياتياً ملحداً، وعادت إلى ارثوذكسية براجماتية تصر على دور عالمي موازٍ للأميركيين.
وتمتلك علاقات جيدة بكل من الإيرانيين والأتراك وبوسعها ايجاد حلول لأزمة الخليج من اليمن والتوسط في الخلافات الداخلية. ولديها سلاح يتفوق على نظيره الأميركي.. لجهة الأهمية السياسية يتضح أن روسيا هي الوحيدة التي تستطيع فك العداء الإيراني ـ التركي ـ الخليجي ـ العراقي ـ السوري ـ اليمني.. وهذا ليس مبالغة.. فالتحالف الروسي ـ الإيراني مع سورية، يجذب أنصار الله اليمنيين والعراق.. ويرغم تركيا على وقف تصدير فقه الأخوان المسلمين وطموح العثمانيين.
إنما ماذا تريد روسيا مقابل هذا الدور السياسي المفترض؟
يصادف أن علاقات موسكو بالرياض تمر منذ مدة في مرحلة جيدة، لأن البلدين ينسقان في تنظيم أسعار الطاقة.. وانعكس هذا الأمر على شكل علاقات سياسية مقبولة، كان طرفاها يتعمدان الالتقاء على هو مشترك وتجاهل ما هو مختلف عليه.. فلم تركّز الرياض مثلاً على الدور الروسي في سورية، مقابل تجاهل موسكو العدوان السعودي على اليمن. فبدا وكأن هناك إصراراً من الطرفين على إيجاد قواسم مشتركة والابتعاد عن الصراعات بينهما.
هذه هي المعطيات التي تدفع باتجاه تحقيق إنجازات ايجابية للجولة الحالية على بلدان الخليج التي يقوم بها وزير الخارجية الروسي لافروف، أما أهداف روسيا، فتذهب نحو تحرير الخليج من أزماته لإنشاء علاقات استراتيجية معه. وهي الوحيدة القادرة على إبعاده من مجرد رأس حربة أميركية، إلى محور معتدل يوازن في علاقاته الدولية. وهذا لا يكون إلا باستئصال ما يرعبه من إيران، ويخشاه من عراق موحّد وتركيا اخوانية ويمن ليس فيه عقائد يرى الخليجيون من خطأ انها معادية لهم…
لجهة التنسيق الاقتصادي فإن ما يهم روسيا هو استقرار أسعار الطاقة التي يتلاعب الأميركيون بأسعارها بضرب الاقتصاد الروسي المعتمد بمعدل أربعين في المئة على ريوعها… كما تطمح موسكو لمعاهدات اقتصادية في مختلف أوجه الإنتاج الصناعي مع بيع سلاحها المتفوق.
يتبيّن بالاستنتاج أن هناك إمكانية لعلاقات ناجحة بين الطرفين الروسي والخليجي، قادرة على تأمين إقليم هادئ ومستقر.
لكن المشكلة هي عند الطرف الأميركي المهيمن على الخليج والذي يسيطر على أجنحة داخل كل دولة خليجية تستطيع ضرب أي جناح آخر يريد الذهاب إلى موسكو للتوازن والاستقرار…
إلا أن هناك فرصة موقتة تستطيع دول الخليج فيها إنجاز تحرر نسبي.. وهي مرحلة الصراعات الداخلية في الدولة الأميركية، بين معظم اعضاء الكونغرس والرئيس ترامب… هذا الصراع الذي يضعف النفوذ الأميركي في العالم… هو الوقت الملائم لتأمين استقرار في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي..
قد تنجح روسيا في تحقيق بعض الاختراقات في بيع السلاح والصفقات الاقتصادية، لكن الهيمنة الأميركية على المنطقة الخليجية تحتاج إلى جهود أكبر من حجم هيمنة أميركية عمرها أكثر من سبعين عاماً تخنق النفط والغاز والحجر والبشر في كل زاوية من انحاء الخليج الذي تحكمه مشيخات من القرون الوسطى لا تزال تفضل الخضوع للأميركي على بناء دول معاصرة لخليج متطوّر…