جهات خمس تتصارع على العراق
د. وفيق إبراهيم
يستقبل العراق منذ شهر تقريباً قيادات سياسية رفيعة من دول الجوار المباشر، هذا الى جانب الأميركيين الآتين من آلاف الأميال بقوات عسكرية تنصبُ قواعد في معظم نواحيه ومنذ احتلالها أرض الرافدين في 2003.
ألا يعكس هذا الإقبال الكثيف من رؤساء ووزراء من تركيا والخليج وإيران والولايات المتحدة الأميركية وجود صراع حاد على العراق؟
أم أنها مجرد زيارات بروتوكولية لتطبيع العلاقات مع عراق بدأ يخرج من أزمته مع الإرهاب والاحتلال الأميركي والتصدّع الداخلي.
وبما أنّ الموضوع يتعلّق بدول متجاورة تعيش كلها تحت وطأة صراعات إقليمية وعربية فإنّ اهتمامها بالعراق يدخل في إطار بحثها عن ترويضه وإلحاقه بأحلافها وتحقيق علاقات سياسية واقتصادية معه.
للإضاءة أكثر فإنّ تركيا تحتلّ أراضي عراقية بذريعة التصدّي لحزب العمال الكردستاني في حين أنّ الإرهاب الذي كان ينتشر في معظم أراضيه بات مختبئاً ومسيطراً على بؤر صغيرة.
ويتردّد أنه عاد الى محافظة الأنبار بعد انهياره في شرق الفرات وبمعونة أميركية.
بدورهم يحتفظ الأميركيون بعشرات القواعد العسكرية المتمركزة بشكل خاص في نقاط قريبة من الحدود السوريّة العراقيّة ولديهم معاهدات مع الدولة العراقية تبيح لهم نشر مدربين ومستشارين بمدة مفتوحة لا يُنهيها إلا اتفاق جديد بين الطرفين، وكان يفترض انسحاب القوات الأميركية من العراق في 2013 لكنهم بذريعة محاربة الإرهاب الذي كان لا يزال شديد النشاط في ذلك الوقت، حافظوا على دور عسكري واسع وبالتالي سياسي.
يتبيّن انّ إيران وبلدان الخليج هي الاطراف الوحيدة التي لا تحتلّ أراضي عراقية وليس لها وجود عسكري في نواحيه، لكن الدور التمويلي الخليجي لمنظمات طائفية وإرهابية لم يكن خافياً، ومن المحتمل أنّ هذا الدور لم ينتهِ تماماً، بدليل الاهتمام السعودي الإماراتي بالمشروع الكردي في كردستان العراق وبعض التنظيمات والشخصيات السياسية في الوسط التي ترفع شعار التقسيم.
لماذا اذاً هذه الزيارات السياسية للعراق الذي يستقبل الآن رئيس الجمهورية الاسلامية الإيرانية الشيخ حسن روحاني في محاولة لتأكيد عمق الحلف الذي يربط بلاده ببغداد؟
كانت دول الجوار والإرهاب يعتقدان أنّ الأميركيين يمتلكون قوة غير قابلة للهزيمة فبنيا عليها حركتهم بشكل بدا انّ هناك سياسة أميركية يعمل من أجلها الأتراك والخليج والإرهاب.
وسرعان ما بدأ الاتراك ببناء مشاريع خاصة لهم بذريعة خوفهم من تدحرج المشروع الكردي من العراق الى مناطقهم في تركيا.
فأصبحت السياسة الأميركية تعتمد على جيشها في العراق والدعم الخليجي والفتنة السنية الشيعية والخدمات البالغة الأهمية للإرهاب، مقابل مجابهة من دولة عراقية ناشئة دعمتها إيران بما احتاجت اليه من سلاح وتمويل وابتهالات.
لكن إعلان الرئيس الأميركي عن نيته بسحب قوات بلاده من سورية وأفغانستان أصاب حلفاء بلاده الخليجيين باكتئاب وأسى، فماذا هم فاعلون مع عراق متحرّر بعد هزيمة الإرهاب فيه؟
وكيف يتعاملون مع سورية منتصرة وموّلوا الإرهاب فيها بمئات ميلارات الدولارات؟
وماذا عن علاقتهم بإيران حليفة العراق وسورية وشريكتهما في النصر، حيث استشعروا بخطر كبير على مستقبلهم السياسي في مشيخات النفط؟ لذلك باشروا بالانفتاح الدبلوماسي على سورية، مؤسّسين حلقة اتصالات عميقة مع الدولة العراقية فاتحين خطوطاً واسعة مع بغداد دشّنتها السعودية والإمارات وقطر، فبدا أنّ الخليج يحاول جذب العراق الى حلف معادٍ لإيران متماهياً مع الأميركيين.
لكنه إزاء الصدّ العراقي بدّل من وجهته، قانعاً بعلاقات خليجية عراقية تتجسّد بمشاركة سياسيين عراقيين موالين للخليج في مؤسسات الدولة، وتخفيف العلاقة مع إيران التي يعتبرها الخليجيون هاجسهم الدائم من جهة ويكتسبون التأييد الأميركي من جهة ثانية.
أدّى هذا الانجذاب السعودي الإماراتي الى استقبال سريع نظمته بغداد لوزير الخارجية الإيراني ظريف في ما يشبه الإصرار على العلاقة العميقة بين البلدين، فبغداد ترفض التأديب الأميركي لإيران والثعلبة الخليجية التي تريد بناء حلف لها مع بغداد على قاعدة العداء لطهران.
كما تأتي زيارة الرئيس روحاني للعراق التي بدأت أمس ترجمة لعمق التحالف بين البلدين، وإعلاناً باختراق الحصار الأميركي المنصوب حول إيران من بوابة الحدود العراقية.
هذه التجاذبات أيقظت المطامع التركية التي ظهرت على شكل زيارة قريبة للرئيس التركي رجب أردوغان الى العراق ولممارسة تأثير تركي على العراق أعلنت أنقرة أنها بصدد تعبئة السدود التركية على دجلة والفرات قبل حلول فصل الربيع وهذا تهديد صريح للعراق باحتمال تدني حصته في كميات المياه التي تصله من الرافدين.
وبذلك تصبح المياه العذبة التركية في خدمة مطامع السلطنة الأردوغانية الإخوانية.
الأميركيون من جهتهم تحسّبوا لاستعادة العراق قسماً أساسياً من قوّته فعادوا الى التشجيع على الانقسامات بين الكرد والعرب وبين السنة والشيعة فاتحين طرقات للإرهاب من شرق الفرات الى محافظة الأنبار وموسعين دور قواعدهم العسكرية المنتشرة في غير منطقة عند الحدود السورية والوسط وكردستان.
وهكذا يكتمل الصراع بين أربع جهات تريد الاستحواذ على العراق وهي الإرهاب والخليج وتركيا والأميركيون، في حين أنّ الطرف الخامس إيران لا يؤدّي إلا دوراً إيجابياً لمصلحة الدولة العراقية، لكن استمرار التراجع الأميركي يدفع بالتأكيد نحو علاقات خليجية عراقية هامة سياسياً واقتصادياً مرغماً الأتراك على إلغاء طموحاتهم بالتلاعب بأساليب الفتنة المذهبية والاحتلال ومدمّراً آخر ما تبقى من إرهاب في أنحائه.
إنه العراق أرض السواد الذي يخطط لتنسيق مع سورية وتطبيع مع الخليج وحلف مع إيران وروسيا ما يتيح له بناء دور إقليمي إيجابي من أعالي اليمن حتى سورية وهذه الطموحات تحتاج الى التحام بين المناطق تعمل على بنائها الدولة العراقية على أسس دستورية واقتصادية وسياسية ولن تتأخر بالتنفيذ.