بعد ثماني سنوات من الحرب… هل وصلت الرسالة السورية إلى العالم؟
مهران نزار غطروف
«إنّ رسالة سورية للعالم أنه: إذا كان هناك من يحلم بأنّ سورية ستكون دمية غربية فهذا حلم لن يتحقق، نحن دولة مستقلة، سنحارب الإرهاب، وسنبني علاقاتنا مع الدول التي نريدها، بكلّ حرية، وبما يحقق مصالح الشعب السوري». هكذا لخص الرئيس بشار الأسد الرسالة السورية للعالم، خلال اللقاء الذي أجرته معه صحيفة «أزفستيا» الروسية آب 2013.
حيث أيقنت الدولة السورية وحلفاؤها في بدايات الحرب عليها – وهي المتيقنة بطبيعة الحال – كما تبدو عليه نتائج الأمور حتى الآن، من حقيقة الحاصل في جذوره ضدّها.
فتقاسمت الأدوار والمهام معهم، من باب منطق الأمور بين الحلفاء، حيث لعب الحليف الإيراني الدور الإقليمي، ولعب الروسي الدور الدولي، واشتركا تباعاً مع المقاومة اللبنانية، في الدور الداعم للدولة السورية على الأرض، ما عزز النصر السريع على أكبر موجة إرهاب عرفها العالم المعاصر.
وما فنّد كلّ المزاعم التي طالما طرحت خلال السنوات الماضية، بأنّ سورية فقدت دورها الإقليمي والدولي…!
فكيف لمن يفقد دوره وتأثيره أن يكون له حلفاء؟ وكيف لحلفائه أن يناصروه، إذا كان فاقداً للتوازن والاستراتيجية؟ وكيف لهم أن يبنوا ويزيدوا الشراكة معه، حتى تصل إلى شراكة الدم والفداء؟
السنوات الثماني الأولى من عمر هذه الحرب، أو ربما إذا صحّ القول من عمر هذه المعركة الكبرى تشارف أن تمضي مع انتصاف شهر آذار الحالي، على اعتبار أنّ الحرب في جذر الصراع القائم مستمرة منذ عام 1948.
تمضي هذه الحرب بكلّ ما حملته من إرهاب، والذي تمّ القضاء على معظمه حتى الآن، وأصبح في حجمه ودوره الذي أوجد لأجله من الماضي.
ليصبح السؤال الآن: هل وصلت الرسالة السورية للعالم؟
حقيقة هذا السؤال والمعادل الهامّ، هو ما يؤرق أطراف العدوان اليوم على سورية، مُختصرين بمن بقي منهم أصالة عن نفسه ووكلائه، حيث أنّ فائض القوة والصمود الذي راكمته سورية وحلفاؤها، والذي كان طيلة السنوات الماضية مشغولاً باجتثاث ما استحضروه وخلقوه من إرهاب على أرضها، بات اليوم أيّ هذا الفائض – أضعافاً مضاعفة، وبات مصوّباً على رأس مشاريعهم في المنطقة مباشرة.
حيث بات شغلهم الشاغل الآن، قائماً على محاولة الاستثمار في ساحات وقوى قديمة – جديدة، والتي من المحتمل أن تكون شريكة وميداناً في أيّ معركة قادمة، معركة – في حال وقعت – ستكون على الغالب جزئية لا شاملة، لأنه ليس باستطاعة أحد من أطراف العدوان الأساسية، و»الإسرائيلي» منها على وجه الخصوص، أن يتحمّل تكاليف معركة كاملة، دفع محور المقاومة ثمنها الأعظم سلفاً، وفي جميع الميادين.
لذلك لن تكون هذه المعركة «نزهة» شرق أوسطية لأحد، بل ستغيّر وجه العالم بأثره، لأنّ وجه المنطقة تغيّر حكماً، بفعل نتائج الحرب السورية دون أدنى شك.
لهذا تدفع أميركا اليوم باتجاه شيء من سياسة المماطلة، في محاولة لخلق أو تثبيت معادلات جديدة في قواعد الاشتباك المستجدة، تخفيفاً لواقع الهزيمة التي لحقت بمشروعها، والتي بدت شديدة الوضوح على معظم حلفائها الإقليميين، الذين بدأوا استدارة سريعة تجاه دمشق، خلال الشهور الأخيرة الماضية.
من هذا الجانب، تعمل أميركا على إعادة تحشيد المهزومين من عملائها وحلفائها، سواء من بقايا تنظيم داعش الإرهابي، أو بعض الكرد الانفصاليين، الذين لا زالوا يعيشون وهم القدرة الأميركية على التأثير في الواقع الميداني، ومنحهم ما يرضي أوهامهم سواء في سورية، أو في جزء منها، مضافاً له أجزاء أخرى من دول المحيط.
إضافة لـ «الإسرائيلي» الواقع تحت مظلة المحظور الروسي، وكلّ ما تركه هذا الحظر عليه، من تداعيات أثقلت كاهله، وباتت يوماً بعد آخر تبدو أكثر وضوحاً، خاصة لدى كبار قادته.
والتركي الذي يعيش مأزقاً حقيقياً نتيجة «عثمانية» الفكر التي أتبعها، حتى باتت اليوم تسير به نحو مزيد من الغرق في الواقع الميداني والسياسي السوري أستانا وسوتشي مثالاً.
من الجانب الآخر، فإنّ محور المقاومة ومحاربة الإرهاب وبرغم الهزيمة التي أوقعها بأميركا ومشروعها في المنطقة، يعي جيداً أنّ هذا لا يعني بالضرورة أنها استسلمت.
فواشنطن لم تبن يوماً سياستها على خطة واحدة دون بدائل لها، بل تستمرّ في المحاولة بحثاً عن نصر حتى ولو إعلامي. مثال ذلك، ما تسوقه اليوم من انتفاء الضرورة لبقائها في الشرق السوري بعد هزيمتها لتنظيم داعش، والذي هو صنيعتها، الأمر الذي بات معلوماً للجميع…!
ولكن هل ينتصر من هو اليوم مهزوم انسحاباً بالآلاف وباقياً بالمئات؟ وهل ينتصر من يعيد تجميع جيوشه من المهزومين، ضدّ قوى وجيوش منتصرة كـ سورية وحلفائها؟
فالحقيقة التي لا يمكن لأحد نكرانها اليوم، أنّ محور المقاومة ومحاربة الإرهاب بلغ مرحلة تجاوزت مرحلة الثبات إلى التثبيت، في قواعد اشتباك جديدة فرضها ميدانياً، لتتناسب مع النصر الاستراتيجي الذي ينشده هذا المحور نصراً كاملاً.
قواعد اشتباك شلت القدرة الأميركية في المنطقة، وفي كثير من مفاصلها، وتدفع بحلفائها إلى الانهيار الكامل عاجلاً أم آجلاً.
وهذا المحور اليوم هو في صدد الانتقال – بل انتقل فعلياً – من فعل التكتيك الدفاعي إلى الاستراتيجية الهجومية، ما يفسّر ربما العمل على الانتقال من العمل العسكري المرخي بظله القوي على الميدان، إلى العمل السياسي، والذي أيضاً يرخي بظله ولا زال، في جميع المحافل السياسية الدولية نصراً وتقدّماً، ما أربك الخصم، ودفعه إلى ما نراه عليه اليوم من انعدام في التوازن، أقلّها في التصريحات المتضاربة من الجميع، حتى من أبناء الإدارة الأميركية الواحدة؟!
هذا العمل السياسي الذي يتمّ اليوم تفعيله بقوة في ظلّ واقع النصر الإستراتيجي الحاصل، والذي محور المقاومة اليوم على مشارف إعلانه كاملاً، حيث يتطلب الحركة والعمل بصورة ديناميكية أكبر، مع توسيع أطراف المشاركة في معادلة الحلول، والتي بدورها تساهم بشكل رئيس في الإعلان الكامل لهذا النصر.
وهذا ما يفسّر ربما كلّ الحركة المكوكية المدروسة والمتواترة والذكية لسورية وحلفائها، وخاصة موسكو، حيث حضورها الدولي اليوم عاد إلى سابق عهده، كقوة عالمية منافسة وكاسرة للقطبية الأميركية الواحدة السائدة في العالم، مع دحض كلّ ما يتمّ تسويقه من أوهام، بأنّ هناك ضعفاً في التنسيق وصداماً بين أطراف هذا المحور المحارب للإرهاب.
ختاماً… نعتقد بأنه نعم الرسالة السورية وصلت للعالم وتحققت، فثمن المقاومة أقلّ بكثير من ثمن الخضوع، والنصر الكامل قادم لا محالة، فقد ولى زمن كان فيه الخصم «يسرح ويمرح» دون عقاب، بل إنّ العقاب بعد اليوم سيكون أكثر مفاجأة للعدو، ومواكباً لدماء آلاف التضحيات من أبناء الشعب السوري والمنطقة، على خطى درب التحرّر والكرامة المعهودة بهم وبأوطانهم…
إعلامي وكاتب صحافي سياسي سوري