مغارة «علي بابا» اللبناني ترحّب بالتغطية الأميركية!
د. وفيق إبراهيم
أربك النظام الطائفي عملية البدء بالمحاربة الفعلية للفساد المتوغّل بعمق في كلّ البنى السياسية والدستورية والإدارية لدولة لبنان الكبير وامتداداتها المعاصرة.
كان يتوجّب على دعاة محاربة الفساد أن يبدأوا من مكان ما فانتقوا ملف «الإبراء المستحيل» الذي يتجاوز صفة «الفساد الموارب» إلى سرقة موصوفة.
وبدلاً من مسارعة المتّهمين بالفساد لإبراز وثائق وحسابات تؤكد نظافة كفهم، أسرعوا للاحتماء بعناصر ثلاثة «الدين والسياسة والخارج»، معمّمين على مستوى الإعلام انّ هذا الهجوم هو اعتداء على دور الطائفة ومشروعها السياسي خلال مرحلة 1992 2017، وظهر فوراً صعوبة توجيه الاتهام الحصري بالفساد لأيّ سياسي، ففريقه السياسي يشعر بالاستهداف فيستنفر محركاً معه المؤسسات الدينية المرتبطة به بذريعة أنّ الطائفة هي المستهدفة.
عند هذه الحدود كان الأمر متوقعاً. فهناك تماهٍ تاريخي بين السياسة والدين في بلد كلبنان يمتلك نظاماً سياسياً طائفياً.
لكن ما حدث هذه المرّة وفي حالتَيْ كلّ من «الإبراء المستحيل» و»أوجيرو» يفضح مدى الحرص الأميركي الأوروبي السعودي على مرحلة سياسية لبنانية نقلت البلاد إلى كنف الحريرية السياسية التي لا تزال حتى اليوم عصب النفوذ الغربي السعودي في لبنان.
لذلك أدرك هذا الفريق الخارجي أنّ الرمي على الفساد يُصيب مرتكبيه من حلفائه، لكنه يُسدّدُ وبعناية مركزة على سيطرته التاريخية على الدولة اللبنانية.
كيف تعامل هذا الحلف مع اتهام حلفائه بالفساد؟
بادر إلى وضع خطة لتجميع فئات فريقه اللبناني لمجابهة النفوذ الكبير لحزب الله المنبثق من انتصاره على الإرهاب في سورية ودوره الإقليمي في نشر ثقافة المقاومة وحروبه ضدّ «إسرائيل» منذ 1982 وحتى 2006.
هذا ما جعل الفريق الغربي السعودي يعي أنّ إضعاف فريق المستقبل وحلفائه بإثبات تهم الفساد على معظم رموزه تنتج تراجعاً للنفوذ الغربي مقابل عودة ناجحة للدور السوري وتألّق النفوذ السياسي لحزب الله وحلفائه في المؤسسات الدستورية اللبنانية، وهذا له أبعاد إقليمية في الصراع الأميركي الإيراني.
يتبيّن إذاً انّ المشروع الغربي السعودي في لبنان عقد العزم على الدفاع عن حلفائه لتيقنه بعمق الترابط بين السياسة الداخلية اللبنانية والنظام الديني والنفوذ الخارجي.
فهذا تسلسل ضروريّ للاستمرار في أسر لبنان في المغارة الأميركية الكبرى التي تمرُ قبل الوصول اليها بالمغارة السعودية، على أن تؤدّي انضباطاً في المستويين الداخليين اللبنانيين: الحريرية السياسية والكهنوت الديني.
الصراع الداخلي في لبنان بالنسبة للغرب هو إذاً إقليمي بلبوس لبناني، لذلك لا يأبه لأيّ فساد داخلي وهو الذي يعلم أنّ حلفاءه يقلدون نظاماً ملكياً سعودياً فريداً من نوعه في هذا القرن يعتبر انّ المال العام والأرض والناس والجغرافيا والبحر وحياة الناس، إنما هي ملكٌ له، يفعل بها ما يشاء، وحلفاء السعودية في لبنان لا يستطيعون تطبيق كامل هذه المفاهيم في لبنان بشكل دقيق نظراً للتعدّدية الطائفية التي أنتجت بدورها عصبيات لا تقلّ فساداً، لذلك أنتج النظام اللبناني مفهوم «التقاسم» في وضع اليد على المال العام واسترقاق الناس.
لذلك يصل وزير الخارجية الأميركي بومبيو الى لبنان مُصرّاً على تعميق التحالف بين حلفائه. وهذا ما ظهر في عودة التقارب بين المستقبل والاشتراكي والقوات ومستنهضاً هذه القوى لهدف مركزي أساسي: منع عودة النازحين السوريين الى بلدهم والتضييق قدر الإمكان على حزب الله ومنعه من النجاح في ما يطرحه من ملفات فساد وتُصيب مجمل الطبقة السياسية اللبنانية.
فتصبح الأوضاع على الشكل التالي:
سياسة داخلية مليئة بالفساد تركز على المؤسسات الدينية وتستقوي بالإقليم والخارج، فتجدها مضطرة لتأييد السياسات الخارجية على حساب مصالح الداخل.
لمزيد من الإنارة، فإنّ الأميركيين حلفاء «إسرائيل» ودعمهم المطلق لها يجعلها القوة الأولى في الإقليم، و»إسرائيل» تحتلّ أراضي لبنانية وسورية وتريد السيطرة على موارد من الغاز موجودة في الجزء اللبناني من الحدود البحرية والبرية مع فلسطين المحتلة.
فكيف يمكن لجزء من الطبقة السياسية اللبنانية التماهي الى حدود الاستتباع المطلق، مع السياسات الأميركية الداعمة للعدو الإسرائيلي؟
هذا لا يحدث إلا في نظام سياسي لبناني يشبه مغارة «علي بابا» إنما على المستوى اللبناني الضيق. وهذا النظام يستعدّ متأهّباً لاستقبال «علي بابا» الأميركي الذي حوّل العالم مغارة لسرقاته وقرصناته.
أما ما يثير العجب أيضاً فإنّ فئات هذا النظام المتصارعة بشراسة على موضوع النازحين تراها هي نفسها لاهثة خلف أيّ اتفاق تقاسمي حول التعيينات والمال العام. فتختلف هناك وتتفق هنا في مواقف لا تحدث إلا في مغارة علي بابا وشركاه التي تضمّ الولايات اللبنانية المتحاصصة المستمرة التي تستنزف الوطن ومعه المواطن اللبناني الذي يتجه الى انفجار فعلي يطيح بكلّ شيء.