محاضرة الأمين عبدالله سعادة في سان باولو
الرفيق يوسف المسمار
قلتُ يومها في مستهلّ كلامي: «أحب أن أذكّر حضرة الرئيس الأمين عبدالله سعادة الجزيل الاحترام أمام الرفقاء ما جرى بين حضرة الرئيس وبيني عندما زرته لأول مرة في سجن القلعة في بيروت ليس من وراء قضبان السجن، بل من وراء شبكة هي أشبه بالمنخل منها بالغربال بعد أن أمّنت وصولي للقائه زوجته الرفيقة العزيزة الراحلة الدكتورة مي سعادة التي حدّثته عن نشاطي الإذاعي التثقيفي بعد محاولة الثورة الانقلابية على نظام الحكم الطائفي في لبنان. يومها بادرني الأمين عبدالله بالسؤال بعد رفع يده بالتحية السورية القومية الاجتماعية ووضع كفّه من جهة الداخل من وراء شبكة الغربال على كفّي مصافحاً قائلاً بحماسته المعهودة: «لقد ارسلت لك يا رفيق يوسف عدة مرات لأراك لماذا تأخرت؟». أجبته: «لقد اتخذنا يا حضرة الرئيس في مكتب الطلبة شعاراً لهذه المرحلة هو أننا طلبة انتصار ولسنا طلبة سجون»، وهمّنا اليوم أن تخرجوا من السجن ونحن نعمل جادين لخروج أبطالنا من السجن لتنطلق حركة النهضة القومية الاجتماعية بزخمها المعهود»، فأجابني على الفور: «نحن يا رفيق يوسف لسنا أسرى هنا، بل نحن الآسرون وليس من يعمل لانتصار الخير العام كمن يعمل لانتصار الخير الشخصي. اعملوا للنهضة ولا تفكّروا بنا فنحن نرفض أن نعيش هنا في السجن بعقلية الرهائن. نحن لسنا رهائن في السجن ونرفض أن يكون شعبنا رهينة لأمراض الداخل ومطامع الخارج. انهضوا بنفوسكم وفكّروا كيف ينهض الحزب واعملوا لتنهض الأمة السورية وتتخلّص من الويل الذي حلَ بها من الداخل بفساد النزعة الفردية ومن الخارج بطغيان أعدائها الذين يعملون لبقائها تحت سيطرتهم. فكّروا واعملوا لانتصار الحزب. ففي انتصاره يكون رقيّ المجتمع وتتخلص أمتنا من الويل الذي حلّ بها». وقال أيضاً أشياء كثيرة لم أعد أذكرها الى ان قال: «أنتم الطلاب الأمل. أنتم الجيل الجديد المتسلّح بالعلم. المفعم بالثقة بالنفس. الجدير برفض الأمر المفعول والقادر على تغيير مجرى التاريخ فلا تتنازلوا عن تحقيق هذه المهمة المقدسة «. وبعد كلمة «المقدسة» سمعت تصفيقاً الى جانبي من الجندي المكلف بالحراسة مرفقاً بالقول: «انتهى اللقاء يا دكتور». فابتسم الأمين عبدالله واضطر الى رفع كفه عن كفي الفاصل بينهما شبكة الغربال ورفع يده بتحيا سورية مردداً على مسمعي: «أنتم الأمل. كونوا كما يجب أن تكونوا. كونوا أبطالاً فلا يحقق النهضة إلا الأبطال المناقبيون. نحن نرفض أن نعيش بعقلية الرهائن في السجن. نحن مَن يأسر ولسنا أسرى. الأحرار يا رفيق يوسف هم المتمرسون بالمعرفة والمناقب والأخلاق والبطولة، والعبيد هم عبيد أوهامهم وجهالتهم واستسلامهم للمغريات والتهديد وبيع أنفسهم في سوق النخاسة».
خرجت من الزيارة وكلماته ترنّ في مسمعي وفي أعماقي ولا تزال ترن. ولم أر أفضل من هذه المناسبة لأذكّره بما قاله لي وبأني ما نسيت فحوى ما زوّدني به من السجن في رسالته الشفوية وإن كان قد حصل بعض تغيير في الأسلوب والعبارات البليغة وبعض الكلمات التي نطق بها أمامي وعلى مسمعي.
وفضلاً عما ذكرته أمامكم وبحضرة الرئيس الأمين عبدالله سعاده وقبل أن أقدمه في هذه المحاضرة أحب أن أذكر أيضاً مقالاً ظهر في إحدى الصحف اللبنانية بعد مرافعة حضرة الرئيس الأمين عبدالله سعاده الجزيل الاحترام في المحكمة العسكرية، وكان المقال على ما أذكر بقلم الصحافي كسروان لبكي قال فيه: ليت هذا الشموخ للبنان ، أي شموخ الأمين عبدالله في موقفه في السجن وفي مرافعته وفي تحمّله كامل المسؤولية كقائد شامخ لم يعطّل وعيه هول تعذيب، ولم تضعف إرادته أمام تهديد وهو اليوم معنا يشاركنا ذكرى الأول من آذار وينسى معاناته في السجن ويعود عزيزاً شامخاً الى ساحة الجهاد لتحقيق الانتصار، وتدمير السجون التي تُذلّ النفوس الضعيفة الذليلة، ولكن لا ولن تتمكن من إذلال نفوس الأحرار الأعزاء الذين يدمرون السجون بتعزيز مدرسة الحياة القومية الاجتماعية. لقد خرج أبطالنا من السجن أعزاء ولم يخرج الأمين عبدالله سعادة الا عزيزاً شامخاً مكسّراً القيود والأغلال وعائداً الى قيادة ومتابعة مسيرة الحزب والنهضة السورية القومية الاجتماعية الى النصر.
ثم قدمته الى الرفقاء بهذه الكلمات: معكم الآن أيها الرفقاء قائد الثورة السورية القومية الاجتماعية حضرة الرئيس الأمين عبدالله سعاده في محاضرته في الأول من آذار ذكرى ولادة مؤسس الحزب الزعيم الشهيد.
بعد تقديمي له بالشكل المتقدّم وإطالتي في الحديث عنه وتقديمه كقائد للثورة القومية الاجتماعية بدل كرئيس للحزب أراد ان يعطي الرفقاء القوميين الاجتماعيين الحاضرين درساَ يميّزون به بين رئاسة الحزب، وشخص الرئيس، وقيادة الثورة القومية الاجتماعية قائلاً: إن الرئاسة مؤسسة دائمة، وشخص الرئيس مرحلي كائناً من كان الرئيس. وقائد الثورة القومية الاجتماعي الدائم هو الحزب السوري القومي الاجتماعي وليس أي شخص كائناً مَن كان هذا الشخص. فإذا تحققت في فترة رئاسة الرئيس بعض المنجزات، فيأتي بعده رئيس آخر يكمل ما أنجز من منجزات سابقة ويبني على إنجازاته ويكمل مسيرة النهضة. أما إذا لم يوفق الرئيس في فترة رئاسته وضعفت الإنجازات فيأتي بعده رئيس آخر يصحّح ما يجب تصحيحه ويصوّب ما ينبغي تصويبه ويأخذ العبرة من الأخطاء حتى تستقيم الأمور ويستقيم نهج النهضة السورية القومية الاجتماعية، ولذلك فإن أهم ما يجب أن نتعلمه من معلمنا الهادي القائد الفادي أن: العقل هو الشرع الأعلى والقانون الأساسي . وبالابتعاد عن العقل أو إهماله نقع في الصنمية وعبادة الأشخاص وتصبح حركتنا القومية الاجتماعية حركة صنمية جامدة لا تفيد أمتنا السورية في شيء ولا تجعل حزب الأمة أهلاً للبقاء والتغيير المرتجى والأمر العظيم الذي تعاقدنا على تحقيقه.
فيا رفقائي، إن مقتل الحزب هو في الوقوع في الصنمية وعبادة الأشخاص والاستسلام للأمر المفعول الذي لا ينسجم أبداً مع عقيدتنا التي تقول إننا الجانب السلبي من هذا الكون الماثل وتقضي عقيدتنا السورية القومية الاجتماعية أن نكون فاعلين في هذا الوجود وغير منفعلين وغير مستسلمين للأمر المفعول. وعندما حمّلت الرفيق يوسف الرسالة الشفهية من السجن التي ذكرها أمامكم هي من أجل أن يهتم رفقاؤنا الطلبة السوريون القوميون الاجتماعيون ببناء أنفسهم بالعلم النافع لهم وبقيم المناقب والأخلاق القومية الاجتماعية في دفع مسيرة النهضة السورية القومية الاجتماعية الى الأمام كنت أهدف الى تنبيه رفقائي الطلبة خارج السجن بأن لا يصرفوا انتباههم الى الاهتمام بخروجنا من السجن بل إلى الاهتمام بتثقيف أنفسهم ليكونوا أقوياء وقادرين على حمل الرسالة القومية الاجتماعية حتى ولو تعرضنا جميعنا في السجن الى الموت، لأن الاشخاص في المجتمع كما قال زعيمنا: يأتون ويذهبون أما الحق فلا يذهب معهم . فحتى لو قُضيَ علينا في السجون جميعاً فإن حق أمتنا في الحياة لن يذهب، وواجب رفقائنا خارج السجن أن لا يشغلوا بالهم إلا بتفعيل حيوية النهضة وتعزيز قوة الحزب، لأن موتنا كان سيكون دفعة جديدة لإطلاق الهمم وتزويد الحزب بدمٍ جديد. ومعلمنا قد سبقنا الى القول: إن موتي شرط لانتصار قضيتي ونحن مؤمنون أنه لو قضيَ علينا جميعاً وبقي منا رفيق واحد أو مبدأ واحد من مبادئنا أو موقف عزيز واحد من مواقفنا أو قول واحد من أقوالنا في كتاب واحد في صفحة واحدة في فقرة واحدة في مكتبة واحدة في زاوية واحدة من زوايا العالم، فإن مبدأنا الصحيح أو موقفنا العزيز أو كتابنا االهادي جدير بإلهاب نفوس أحفادنا وأبناء شعبنا بهدى عقيدتنا وصواب قضيتنا ومواقف عزنا فينتفضون ويثورون لتغيير وجه التاريخ.
هذا بعض ما سمعته وأذكره من محاضرة الأمين عبدالله سعاده التي استغرقت أكثر من ساعة كانت كلماته وأفكاره تنساب وتتدفق ببلاغة وفصاحة قلما سمعتها من غيره من الخطباء.
فإلى رفيقاتي ورفقائي في الوطن وعبر الحدود أنقل ما سمعته وما تذكرته وبقي عالقاً في ذاكرتي من كلام الأمين الراحل عبدالله سعاده علّ فيه ما ينعش النفوس ويوقظ الساهين عن مسؤولية القيام بالواجب والعمل بالنظام، لأن لا معنى للحرية بدون القيام بالواجب ولن تتحقق قوة تغيير مجرى التاريخ بدون العمل بالنظام.
لكم محبتي وتحيتي القومية الاجتماعية