ديوان «طاعنًا في الشّمس» بين الومضة والتّفعيلة للشّاعر علي جعفر

خلود عبد النّبي ياسين

تماماً كما يشي العنوان بالحركة والإيقاع، يأتي ديوان «طاعنًا في الشّمس» الصّادر في العام 2019 عن دار الولاء لصناعة النّشر، متماشيًا مع عنوانه، ضاجًّا بألوان الحياة.

يُواجهنا علي جعفر في ديوانه البِكر مواجهة جريئة بما يحمله من ومضات وتفعيلات، يسعى من خلالها إلى التّجديد، مُتّكئًا على المجاز لابتكار فضاءات جديدة لتجليّات المعنى، فنجده يتنقّل بين الذّاتي والموضوعي، مُتّخذًا من الشّعر ملعبًا وجوديًّا:

«تقمّصَ شكًّا

تناسلَ شعرا

تعرّى

من العقلِ

سافرَ خمرا

تساقط من

غيمةٍ في الضّواحي

تعالى على الموتِ

شطرًا

فَشطرا…».

تُمثّل قصائده حالة شعوريّة خاصّة يعتمد من خلالها سيلان شريط قزحي من الصّور الّتي تُضفي إشعاعًا على فضاء النّصّ النّابض بهموم الفرد والجماعة، فتشكّل الومضة شكلاً من أشكال الانزياح الّذي يُباغِت الطّاقة التّأويليّة لدى القارئ، فهي لا تعتمد على شعريّة الجملة بل على شعريّة الرّؤيا، وكأنّها تقدّم لقطة سينمائيّة تهتمّ بالإيقاع، تاركة بصمة خاصّة ممزوجة بالسّرد الشّعري لدى المُتلقّي:

«وقال: عليلٌ

فقلتُ: عليكَ

بشرب الوطن»

«سأخلدُ للحزنِ،

لا شيء إلاّهُ

قوت الفقير

سأخلدُ للضّوءِ،

عَلّيَ أبلغُ

عَتْمَ الضّرير».

يبدو أنّ الشّاعر متأثّر جدًّا بخطّ الممانعة، فقد تتلمذ على يد د.إيهاب حمادة الّذي يُؤمن بأنّ الثّورة لا تقتصر على تحرير الأوطان وإصلاح الأنظمة، بل تستوجب أيضًا الرّفض المُترافق مع تثوير الذّهنيّة السّائدة:

«إنّي توحّمتُ

صوتَ الرّفضِ

في دمهِ

إنّي تعلّمتُ

أنّ الغارَ

من فمهِ

إنّي تفيّأتُ

نزف الشّعر

من مقلِهْ…»

وللأنثى حضورها في هذا الدّيوان، فالمرأة بالنّسبة للشّاعر هي المُحرّض الأبرز على الكتابة والحياة:

«من مشرقِ القدِّ

حتّى مغربِ المقلِ

ضريحي

في ثرى القُبَلِ».

الشّعر عند علي جعفر ليس تهويمًا ولا طيرانًا خارج الهمّ الإنسانيّ، أو خارج قضيّة الإنسان كوجود وكينونة:

«الشّعر خوفٌ:

من المعنى،

على المعنى،

وأن تهيمَ

بأرجاءِ الدّنى

المُضنى

الشّعرُ

فتحٌ بعيدٌ

ليسَ يشهدُهُ

إلاّ الأُلى خالَلوا

الحاراتِ والمدنا

واستنزلوا دمعَ هذا الغيبِ،

محنتَهُ

وأرجعوهُ جنينًا

يرتجي

حضنا».

نرى في هذا الدّيوان ولادة شاعر مُتيّم بالشّعر المُتّسِم بالانفعاليّة والتّعبير المُوحي، فقصيدته تنسج نفسها بنفسها ولا تُشبه إلاّ ذاتها، متنقّلة بين التّفعيلة والومضة الّتي بدأت تتسيّد المشهد الشّعريّ في بلدان عربيّة كثيرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى