خاطَبهم ميشال عون..
روزانا رمّال
هذه السنة انعقدت القمة العربية الأكثر هواناً وإذلالاً على مرأى ومسمع من كل العالم. بعدما بدت فيه أكثر القمم بهتاناً وفتوراً… لماذا؟ لأنها انعقدت على وقع توقيعين يتكفّلان بنسفها ومقرّراتها وحيثيتها بالكامل ومعها التزاماتها أمام المجتمع الدولي التي تطلب الخضوع للقوانين الدولية الناظمة للعلاقات السياسية بين الدول واحترامها. والتوقيعان يتجسّدان بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس اسرائيلية والجولان السوري كذلك.
بعض الرؤساء الذين قرروا القدوم باللحظة الاخيرة ليسوا افضل من أولئك الذين غادروا قاعة الاجتماع دون أن يلقوا كلمة ترضي الشكليات المعهودة لكنهم على الاقل اشاروا الى ضعف وهشاشة المشهد وعبثية هذه القمة. وبأي حال من الاحوال السؤال الوحيد المتبقي هو: ما فائدة هذه الجامعة جملة وتفصيلاً والى أي وقت ستبقى تمارس أعمالها الشكلية التي لا تخرج عن كونها تقع ضمن ارهاق الدول المضيفة بين تكاليف وبروتوكول وتحضيرات لاستقبال زعماء أعياهم التعب وأثقلهم الوهن مقابل شعوب عربية ما تنفك تسخر من اجتماعاتهم كل سنة أكثر من سابقاتها. وها هي وسائل التواصل الاجتماعي تضج سخرية من شابات وشبان عرب ضاقوا ذرعاً من كذبة «الوطن العربي».
بأي حال من الأحوال وبمتابعة أغلب الكلمات تبرز كلمة الرئيس اللبناني ميشال عون من القمة يتحدث بلغة أخرى تكاد تتهم فيها الحاضرين بالسكوت حول ما يُعدّ للعالم العربي بعد قرارات الرئيس دونالد ترامب الأخيرة، لكنه من موقع الحريص الذي يتولى صون وحدة الأراضي اللبنانية والمحافظة عليها في المحافل الدولية طرح اكثر الملفات حساسية على الإطلاق. وهي «مصير مزارع شبعا» التي تعتبر بيت قصيد الصراع الإسرائيلي المتبقي مع لبنان وتحديداً حزب الله الذي لولا هذه المزارع لفقد تدريجياً شرعية الاحتفاظ بالسلاح. كيف بالحال اذا كانت تواقيع الأميركيين على القدس والجولان وإهدائهما لـ»إسرائيل» واقعة ضمن منطق حمايتها؟ هذا يعني حكماُ ان مزارع شبعا لن تسلم من الذهنية الأميركية الإسرائيلية للضغط على لبنان وملف السلاح. خاطب ميشال عون أصل «العلة» اهل البلاغ والبيان والبيع والشراء، اصحاب الاموال ومعاهدات تحالف حفظت كراسي وضحّت بأراضٍ عربية مقدسة.
خاطبهم ميشال عون وعلى سلم اولوياته الكرامة العربية والارض التي أحيا الفلسطينيون منذ يومين يومها، خاطبهم وهو يسأل: كيف سمحتم بذلك على مرأى ومسمع من الجميع؟
ما يعني لبنان في هذه الاوقات هو ملف النازحين، لكن اكثر ما يلفت في كلمة الرئيس اللبناني هو يقينه بمؤامرة المجتمع الدولي الكبرى حيال لبنان للمرة الثانية. الأولى في ملف اللجوء الفلسطيني، والثانية في ملف النازحين السوريين. وأخطر ما عرضه هو تساؤل عريض حول المساعدات العينية والمادية من المؤسسات الدولية التي لا زالت تقدم للنازحين مباشرة، ومن دون المرور بالقنوات الرسمية للدولة التي تستضيفهم أي لبنان. وفي هذا تشجيع صريح حسب عون للبقاء حيث هم والاستفادة من كل التقديمات دون أن يترتب عليهم اي موجبات في حين تنوء الدول المضيفة تحت الاعباء المتزايدة.
الإبقاء على النازحين في لبنان مصحوب بتنصل من دور الدولة وهيبتها وعدم التعاون معها في هذا الملف. والسؤال الأساسي حول وزارة خصت للشؤون النازحين بالحكومة يبدو انها لن تستطيع التعاطي مع المخيمات من منظار سلطة راعية او حاضنة بل بصفتها جهة «زائرة» لا اكثر ولا اقل.
خاطب الرئيس اللبناني الرؤساء العرب على مرأى ومسمع من دول خليجية. وكشف مصدر دبلوماسي روسي رفيع لـ»البناء» انها رفضت تمويل المبادرة الروسية للنازحين ولا تزال. وهذا يعني ان قادة الدول الخليجية المعنية مشاركة في هذه المؤامرة.
مؤسف أنه في كل مرة تنعقد فيها القمة العربية يستنتج اللبنانيون غياب مضمونها حتى أن قراءة البيان الختامي لم يحظَ باحترام المجتمعين الذين غادروا انفسهم المكان وعادوا الى بلادهم بعد أن اتموا المسرحية العربية السنوية الكبرى، لكن المؤسف ايضاً هو وقوف الرئيس اللبناني ميشال عون وحيداً في معركة السيادة وحماية الارض اللبنانية دون مؤازرة من «الاخوة» العرب الذين وقفوا يتفرّجون على تقديم الهدايا الأميركية لنتنياهو بدون أي احتجاج أو إجراء جدي يضع الأميركيين عند حدّهم في ما يتعلق بهوية الأرض العربية فلا قرار نفطي من هنا ولا مالي من هناك.. ومؤسف أن يتفرد عون وحده بكتابة وقراءة خطاب مباشر بعيد عن الشكليات وبيانات الرفض والشجب ليضع الإصبع على جرح الملفات النازفة في لبنان والعالم العربي دون أن يتحرك أي رئيس باتجاه مبادرة تساعد لبنان على الاقل في ملف النازحين الذي أرهق كاهله ويكاد يطيح بحكومة حديثة الولادة، فيما لو لم يتم التعاطي معه خارج التسوية والانتظارات لحلول سياسية قد لا تأتي.
خاطبهم ميشال عون بالكرامة والسيادة وحذرهم من ضياع الحقوق العربية ومن مؤامرات تحاك للأوطان العربية بعد أن هدأت المدافع، لكن على ما يبدو نصف الحضور شهود زور والنصف الآخر شريك.
الأكيد أنه لم يعد في ذلك المكان.. مكان لشرفاء القرن أمثال ميشال عون.