أية معالم خارطة الطريق في الجزائر؟

كمال حميدة

استمرارالحراك الشعبي الذي شهدته شوارع الجزائر إلى حدّ الآن تجاوبت معه المبادرة الرئاسية لعلّها تنقذ الموقف من جهة، وربما أيضاً قد لا تعيد المتظاهرين إلى بيوتهم في أجل قريب من جهة معاكسة. فآخر رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وجهت إلى الشعب الجزائري بمناسبة عيد النصر تضمّنت معالم خارطة الطريق التي رسمتها في الحادي عشر من الشهر الحالي وتمحورت حول تأجيل الانتخابات الرئاسية وتنظيم ندوة وطنية جامعة بين الأطياف كافة، تتكفل بإجراء تعديل دستوري يطرح للاستفتاء الشعبي.

هذه الرسالة الرئاسية لم تحمل شيئاً جديداً لإرضاء الشارع وإبطال مفعول الحراك الواسع، بقدر ما حملت إشارات واضحة أنّ السلطة الحاكمة متمسكة بالبقاء إلى أجل غير قريب، كما كشفت ذلك في وقت سابق أن رحيلها مرتبط كليا بما تفرزه الندوة الوطنية من اتفاق أو تفاهم بين جميع المشاركين المدعوّين إلى الخشبة المستديرة.

اللافت أنّ فترة حوار الندوة ستسغرق وقتاً لا يقلّ عن سنة أو سنتين، فضلا عن أنّ محاولة إقناع المتحاورين المدعوين لا سيما الممثلين للحراك الجماهيري تحتاج في حدّ ذاتها إلى مدة زمنية يصعب التكهّن بأسابيعها أو شهورها، في ظرف لا يزال الشارع مُصرّاً على عدم المشاركة في الندوة الوطنية ما دامت مطالب منتفضيه لم تلبّ عملياً وعلى رأسها لا تمديد ولا تأجيل للعهدة الرئاسية. بالتالي فإنّ فتح أبواب الحوار عملية شاقة وتحتاج إلى بذل قصارى الجهود، وتكثيف المحاولات والمبادرات، على الرغم من أنّ بوادر الانسداد السياسي تلوح في الأفق، جراء أنّ التظاهر السلمي لقي كنفاً يحضنه، ومساحته توسّعت في أرجاء أنحاء البلاد، بالمناصرين والمؤيدين الذين قطعوا على عاتقهم أن لا تنازل مطلقاً على مطالبهم المعلنة.

في المقابل، يواجه الفريق الرئاسي أصعب مرحلة منذ توليه مقاليد الحكم عام 1999، ليس على خط الاحتجاجات الشعبية العارمة دون سواها، وإنما على قلعة حزب التحرير الوطني الداعم الأساسي والقوي للرئيس بوتفليقة، الذي شهد مؤخراً تفككاً وانقساماً في صفوفه، حيث أنّ الشقّ الأول منه اعلن انضمامه إلى ساحات المتظاهرين السلميين، فيما الشق الثاني أبقى على ولائه لرئاسة الجمهورية الحالية، مع إظهار عدم اعتراضه للاحتجاجات الشعبية.

أما على صعيد التحالف الرئاسي فإنّ حزب التجمع الوطني الديمقراطي أحد أعمدة الأحزاب الموالية للسلطة وثاني أكبر كتلة نيابية في البرلمان فهو الآخر لم يتوان عن الالتحاق بركب الحراك الشعبي السلمي مؤخراً، علماً أنه أعلن موقفه الصريح بتأييده المطلق لفريق الرئاسة مع بداية اندلاع شرارة الانتفاضة في الميادين العامة. ولا يخفى أنّ بيته هو الآخر شهد تصدّعاً وانشقاقاً، ما يؤشر إلى أنّ الإطاحة برموزه قرار وارد في أيّ لحظة، وبالأخصّ في حال تعرّض هذا الحزب لنتائج غير مشرّفة بسبب قراءة قيادته غير الصائبة في مواكبة المستجدات.

وفي هذا السياق، لا يمكن بأيّ حال من الأحوال تجاهل قوة الجيش ودوره المحتمل في رسم معالم خارطة الطريق السياسية. فنائب وزير الدفاع ورئيس قيادة الأركان أحمد قايد صالح بإطلالاته على الوسائل المرئية الإعلامية، لم يقف عند طمأنة الجميع على الأمن والاستقرار الداخلي، وإنما كشف أنّ ثمة حلولاً موجودة في حال استمرار الوضع على حاله، بما يوحي أنه مهما تعقدت الأوضاع وبلغت ذروتها إلى حدّ لا يحتمل، فمن غير الممكن أنه لا سبيل من مخرج لحلحلتها. في وقت أنّ قيادة الجيش تعهّدت في مناسبات سابقة أنها تقف إلى جانب الشعب، واصفة أنّ أبناء الجيش هم من صلب هذا الشعب. ولذا لا مانع من القول إذا طغى الانسداد على المشهد السياسي، وتجنّباً لحدوث منزلقات خطرة، بلا مراء أنّ الجيش سيقول كلمته، ويستعيد موقعه السياسي ولو مؤقتاً لأسباب اضطرارية، بهدف تمرير مشروع، يعمل على تقريب التباعدات وحصر المفارقات كي يصبّ في مصلحة المتظاهرين وللحفاظ على التوازنات الداخلية مهما تنوّعت ألوانها وأطيافها الايديولوجية والحزبية. لكن هذا الحلّ المحتمل سيبقى رهن مدى قناعة المتظاهرين والأحزاب والمنظمات ذات التأثير في القرارات السياسية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى