من يطلق الطلقة الأولى في حرب المنطقة؟
ناصر قنديل
– كتب الكثير قبل الانتخابات الإسرائيلية عن أنها مناسبة للتصعيد على جبهات القتال في غزة وجنوب لبنان وسورية وربما إيران. وقيل توقعوا الحرب طريقاً لفوز نتنياهو الانتخابي وجاءت نصف حرب في غزة تمنحه فرصة تحويلها حرباً كاملة فقرر التراجع خطوتين إلى الوراء منعاً للحرب. وجاءت الهدايا الانتخابية المفترض أنها اشد تأثيراً على توجهات الناخبين لتعويض الهروب من الحرب، لكن الانتخابات قالت إن نتنياهو فاز بصعوبة ومرارة الخسارة بفارق ضئيل بوجه حزب أسس بالأمس وعلى عجل ما يعني أن السياسة ماتت في «إسرائيل» وأن لا روح يمكن إيقاظها طالما أن التسوية وصفة للسقوط السياسي لصاحبها والحرب وصفة للسقوط الكامل للكيان.
– الآن يجري الحديث عن تزخيم المنطقة تمهيداً لما سيفعله نتنياهو الفائز وتجتمع آلات الحرب النفسية لتصوير الآتي الأعظم. ويطيب للبعض الحديث عن سلة عقوبات أميركية قاسية على قوى جديدة من حلفاء حزب الله في لبنان، وأصدقاء إيران في المنطقة والعالم، وعن خطوات أميركية ميدانية قرب مضيق هرمز تمهيداً للحرب المقبلة، ونتنياهو ومن خلفه مايك بومبيو ودونالد ترامب يقرعون طبول الحرب، ويتحدثون بلغة القطع عن أنهم سيحسمون النتائج. فلا حزب الله باقٍ على صعوده، ولا إيران باقية على نفوذها، ولا اليمن مقبول أن يشهد حزب الله آخر، ولا غزة والجولان مسموح تحولهما لجنوب لبنان جديد. وهذه نهايات حاسمة تحتاج حرباً بل حروباً لتصير واقعاً.
– ربما يكون الأميركي والإسرائيلي يحتاجان حرباً، لكنهما لا يستطيعان تحمل مسؤولية إشعالها فيريدان من خصومهما في محور المقاومة منحهما هذه الحرب، لأن مَن سيشعل الحرب مطالَب أمام جمهوره بكشف حساب مقارنة النتائج السريعة والحاسمة مع حجم الخراب والدمار والخسائر التي ستجلبها الحرب. وبالتوازي مَن سيشعل الحرب سيكون تحت الضغوط الدولية من خصومه وحلفائه لإيقافها فور ظهور مخاطر اتساع نطاقها، وصعوبة تحقيق إنجازات سريعة فيها. وبالتالي من سيشعل الحرب عليه الاستعداد لدفع الثمن المزدوج، مرة أمام جمهوره مساءلة ومحاسبة عن حجم الكلفة قياساً بالإنجاز وسرعة الحسم ووضوح النصر، ومرة ثانية في معادلات التفاوض لوقف الحرب والتنازلات التي ستفرض على طرفيها لصناعة تسوية الضرورة لوقفها.
– الأكيد أن الأميركي والإسرائيلي يريدان التقرّب من مناخ الحرب دون التورط فيها، بخلق توتر عالي المنسوب، وتحويله ضغطاً مؤثراً على حال الشعوب في المنطقة وإرباك انتظام دورة حياتها الطبيعية، وشل حركتها الاقتصادية، ووضعها تحت ضغط الشعور بالقلق والخوف، أملاً بانتقال هذا التوتر والقلق إلى قوى المقاومة ارتباكاً وتشوّشاً في الصورة فيصير ممكناً فتح أبواب المساومات، والحصول على التنازلات تحت الطاولة إن لم يكن فوقها، وتتاح الفرص لتسويات التغاضي طالما استعصت تسويات التراضي، وتسويات التغاضي هنا هي فرض قواعد اشتباك جديدة، تحمي مرتكزات الأمن الأميركي والإسرائيلي بقوة الأمر الواقع. فيحيّد الأميركي وجوده في العراق عن أي بحث بموعد الانسحاب، ويحيّد الإسرائيلي احتلاله للجولان عن اي ربط باتفاق فك الاشتباك، ويضمن الإسرائيلي والأميركي فرض أمر واقع في وضع اليد على بعض ثروات لبنان في النفط والغاز بالتغاضي.
– إطلالة السيد حسن نصرالله قالت إن المقاومة واثقة من حدود القدرة الأميركية الإسرائيلية على الذهاب إلى أبعد من الاستفزازات الكلامية، وهي واثقة من قدرتها على فعل العكس عندما يصير ضرورياً. فالذهاب إلى الأفعال هو ما يتقنه ويقدر عليه محور المقاومة، لكنه لن يمنح الأميركي والإسرائيلي ما يريد فيحمل عنهما تبعات الطلقة الأولى، وبالتوازي كلما ارتفع منسوب التصعيد الأميركي الإسرائيلي سيزداد الضغط لتحديد موعد الانسحاب الأميركي من العراق، ويزداد التقرّب من جبهة الجولان، ويزداد الإعداد نحو حماية ثروات لبنان في النفط والغاز.
– عندما ينفعل الأميركي أو الإسرائيلي أو كلاهما، ويشعران بالضغط والغضب ويرتكبان الخطأ الأول، قد يتحول إلى الخطأ القاتل والطلقة الأولى في الحرب، التي سيكسب جولتها السياسية من يكون فيها في موقع الدفاع مرتين، مرة أمام جمهوره ومرة في التفاوض حول شروط إنهائها، وإن لم يفعلا ولم ينفعلا بردت السخونة التي يريدان بثها في الساحة، وفقدت التهديدات والعقوبات والتصنيفات والالتزامات معناها، وسقطت معها حالة الحصار الكلامي والاقتصادي والنفسي بمحدودية القدرة على تغيير التوازنات رغم الآثار الموجعة لبعضها، ولكن تحت سقف القدرة على الاحتمال والتساكن.
– ترامب ونتنياهو يتبادلان هدايا الضعفاء في الانتخابات، والسيد نصرالله ليس مرشحاً لانتخابات يحتاج تخديمها، وسخونتهما بلا قرار أعلى مرتبة في التصعيد تعبير ضعف، بينما برود نصرالله مع جهوزية الذهاب للقرار الأعلى مرتبة في المواجهة علامة قوة. والأيام ستقول الكلمة الفصل.