من الأبيضِ.. إلى الأبيض ِ!!

عروسٌ جميلةٌ لبَسَتْ الأبيض.. مدّ يدَهُ ناولها باقةَ وردٍ بيضاء، عريسٌ أنيقٌ بهندامٍ كاملٍ، البدلة بيضاء وربطة العنق حمراء، يحتفي بهما جمهورٌ كبيرٌ مع إيقاعٍ موسيقيٍّ زفّة العروس .. يصفّق الجميع ابتهاجاً أمام الكاميرات، وأُزْلِقَتْ قدم العروس لسببٍ مَا وأَوْشَكَتْ بالوقوع، سارع العريس لانتشالِها، بعضٌ من الجمهور ذُهِلَ وهُرِعَ للمساعدة، ولكن الأغلبيّة من الجمهور ضحك بسخريةٍ وبسخطٍ وتغامزوا شامتِين!! بعض أصحاب الكاميرات المشبوهة عمّموا صورتها، بل أضافوا عليها زيفاً كاشفين ثوبها الأبيض عن بضّها وغضّها!! دمعت عينا العروس الجميلة دموع الخجل والحياء!! بدَتْ لجميع مَن رأى وصدّق الصّورةَ أنّها مجرّد عروس ضعيفة مهزوزة، بل هي رجعيّة!! شغلت النّاس بالقيل والقال، لكنّها قامت بشجاعةِ الموقف، وبفضل تلك الأقليّة من الجمهور الحاضر، واستعدّت للعرس مع زغاريد الأهل، أطلّت وعريسها منتصبة القامة، واثقة الخطوة، رافعة الرأس، غير آبهةٍ لكلّ ما حدث من غوغائيّات وافتراءات.. وقف العروسان في وسط البهو، والورد الأحمر والأبيض ينهال عليهما من المحبّين. بدَتْ رقصة العروسين للجميع حكايةَ فرحٍ وتحدٍّ، أسخطت السّاخطين الذين لم يكن بوسعِهم إلّا أنْ يحاولوا قطف وريقات الورد المنهالة، والعبث بها بغضبٍ واضحٍ للعيان!! اكتملت الحفلة بقالب كاتّو أمسك العروسان بسيف الحبّ ينسكب عليه بسلاسةٍ، ويقطع القالب ليتناولَ كلّ واحدٍ قطعةً يأكلها بسعادةٍ وليستمتعا بجوٍّ من الدفء وروح العشق والحبّ. ويتجمّع الحاضرون ليأكلوا من قالب الكاتّو، بعضهم يأكل بنفسٍ طيبةٍ، والآخر يتذوّق بنفسٍ لئيمةٍ خوفاً من ازدراءِ الزّمن!! نظَرَتْ العروسُ بعينيها الخضراوين الجميلتين، وبقلبِها الكبير المتسامح، وبِابتسامتها الرّزينة، ثمّ أمْسَكَتْ بيدِ عريسها، ومَشَتْ نحو الكرسيّ الأبيض منتظرةً منه محبس الرّباط المقدّس، وضعه في إصبعِها ثمّ قبّلها على جبينها متمنّياً الحياةِ السّعيدةِ مليئةً بولاداتٍ جديدةٍ.. إنّها عروسُ المجدِ.. سُوريّة السّلامِ.. ومن الأبيضِ إلى الأبيضِ.. في كلّ زمانٍ وفي كلّ مكانٍ.

د. سحر أحمد علي الحارة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى