ليس الجيش مَن قام بانقلاب السودان

ناصر قنديل

– لا يمكن لعاقل أن يصدّق أن الجيش السوداني هو مَن قام بالانقلاب العسكري ومَن قام بتنصيب وزير الدفاع الذي قاد التدخل السوداني في حرب اليمن واستعاد لهذا الغرض رتبته العسكرية بعدما كان في التقاعد، رئيساً بديلاً للرئيس عمر البشير الذي استرضى السعودية باستعادة وزير دفاعه إلى الخدمة. فالحراك الشعبي الذي بدأ اقتصادياً وتطوّر سياسياً في السودان استقطب فئات شعبية تبحث عن نظام حكم قادر على التعبير عن تطلعاتها، يعتمد الانتخابات ودستوراً أكثر ديمقراطية، ويؤمن التداول السلمي للسلطة، ولا يمكن لهذا الحراك الذي استقطب الجيش في الأيام الأخيرة أن ينسجم مع قيام حكم عسكري يبدأ بإعلان حال الطوارئ وينصّب مجلساً عسكرياً لحكم السودان لسنتين كمرحلة أولى ستصبح سنوات لاحقاً.

– الجيش برتب ضباطه الدنيا والمتوسطة وبجنوده ليس طرفاً في تنصيب كبار الضباط أصحاب الامتيازات والعلاقات بالخارج في سدة الحكم، ليجدّد النظام وجوهاً قديمة بوجوه قديمة، دون انتخابات، ويصادر الحريات ويفرض حظر التجوّل، فالذي جرى هو سطو على الحراك الشعبي وعلى قرار الجيش لقطع الطريق على مسار التلاقي بين الجيش والشعب، وردّ المنتفضين بالبقاء في الساحات وتحديهم حظر التجوّل يكشف أن الانقلاب جاء من خارج المعادلة السودانية الداخلية، لحساب شريحة رقيقة من الضباط الكبار المدعومين من دول خليجية ضد دول خليجية، في سياق التنافس القطري السعودي الإماراتي، لسرقة لحظة سياسية وتجييرها لحسابات لا تعني السودان والسودانيين.

– الخطوة التي أقدم عليها المتورّطون في حرب اليمن محاولة لمنع سياق سوداني على الطريقة الجزائرية، حيث الجيش يحمي الحراك الشعبي ويترك الباب مفتوحاً لحكومة مؤقتة لثلاثة شهور تمهّد لانتخابات يختار فيها الشعب مرشحاً للرئاسة، ويفتح الطريق لدستور جديد، رغم أن تولّي الجيش في الجزائر للسلطة كان ليلقى تأييداً من شرائح لا يُستهان فيها من الشارع الجزائري، لكنه سيقسم الشارع ويفتح باب الفوضى السياسيّة والأمنية، وخطورة الخطوة الانقلابيّة أنها قد تكون أقصر الطرق نحو افتعال مواجهة بين الجيش والشعب، ربما تؤدي إذا حدثت إلى تشقق الجيش ودخول السودان في التشظي والفوضى وإشعال شهوات الانفصال في أقاليم سودانية عديدة.

– وحدة الجيش والشعب مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، وهذا يستدعي التزامين متقابلين: التزام الضباط والجنود برفض أي أوامر لفض الحراك الشعبي بالقوة، والتزام المعتصمين برفض الصدام مع الجيش والتصرف بحكمة لتخطي هذه اللحظة الخطيرة. والتساكن الإيجابي بين الحركة الشعبية والجيش في الشارع سيتكفل بإفشال الرهان على التصادم، وتخريب المسار السلمي الذي يشكل المسار الجزائري نموذجاً له.

– دائماً كان السودان ساحة مفصلية في الإشارة لمخاطر التفتيت والفوضى، من حرب دارفور إلى انفصال الجنوب، وبالمثل يمكن أن يكون مفصلياً في تظهير نضوج الشارع والجيش لقطع الطريق على المزيد من العبث والمزيد من التدخلات والمزيد من الفوضى، والأحزاب السياسيّة الراغبة بالدخول في صفقات مع المجلس العسكري لمشاركته الحكم، هي أحزاب سبق وكانت في الحكم وقد اختبرها السودانيون، بينما المسار الانتقالي المحدود بشهور في ظل حكومة مدنية يكفلها ويراقبها الجيش عن بُعد، للإشراف على انتخابات نيابيّة ورئاسيّة وتشكيل حكومة وحدة وطنية تليها يشكل البديل الأكثر أماناً، ولو لم يكن محملاً بالحلول الجاهزة لمشاكل السودان الكثيرة، لأنه يكفي حفظ وحدة السودان واستقراره ومنع الفوضى من التسلل وفتح الطريق لمسار سياسي سلمي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى