العدوان الصهيوني الجديد التوقيت والأهداف وسبل الردّ…
حسن حردان
أثار العدوان الصهيوني الجديد على مدينة مصياف السورية، الأسئلة في أوساط الرأي العام ولدى المراقبين والمتابعين، بشأن توقيت هذا العدوان والأهداف المراد تحقيقها منه، ولماذا لا يتمّ الردّ عليه من قبل حلف المقاومة للجم الكيان. وردعه على غرار ما هو حاصل في لبنان حيث ثبتت المقاومة قواعد ردع واشتباك مع العدو الصهيوني حالت دون مواصلة اعتداءاته، لإدراكه انه سيلقى رداً قوياً ومؤلماً وسريعاً من المقاومة… جرت تجربته أكثر من مرة.
من الواضح أنّ التوقيت، جاء إثر إعلان نتائج الانتخابات الصهيونية، التي تمخضت عن فوز رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، الذي نجح بالحصول على هدايا ثمينة، عشية إجراء الانتخابات، من قبل حليفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أدّت إلى تعزيز موقفه الانتخابي، الذي كان في حالة تراجع على خلفية اتهامات الفساد الموجهة ضدّه وتحميله مسؤولية انهيار قدرة الردع الصهيونية في مواجهة المقاومة في قطاع غزة… لقد أراد نتنياهو، من خلال الإقدام على هذا العدوان مباشرة إثر إعلان فوزه، الضعيف، بفارق مقعد واحد عن تحالف «أبيض أزرق»، أن يؤكد استمراره في سياسة العدوان ومحاولة ضرب القدرات الدفاعية للجيش السوري… وأنه لن يتراجع عن هذا النهج الذي يحظى بدعم صهيوني واسع عكسته الانتخابات، التي كشفت عن تنامي وازدياد مناخ التطرّف والتشدّد الصهيوني الذي أصبح مسيطراً في كيان العدو، ان على مستوى الأحزاب والجيش أو مجتمع المستوطنين..
أما على صعيد الأهداف المبتغاة من هذا العدوان فيمكن تلخيصها بالأهداف التالية:
الهدف الأول: محاولة التأثير على مجرى المواجهات الحاصلة في ريف حماة الشمالي، بين الجيش السوري، والجماعات الإرهابية، التي تتلقى ضربات قوية من الجيش السوري، وبالتالي فإنّ القصف الصهيوني لمواقع عسكرية في مصياف إنما يندرج في سياق السعي لإرباك عمليات الجيش السوري ضدّ الإرهابيين ومحاولة تعطيل خططه للقضاء على وجودهم في ريف حماة الشمالي ومحافظة إدلب، واستطراداً تعزيز ورفع معنويات هؤلاء الإرهابيين، وإطالة أمد حرب استنزاف الدولة الوطنية السورية وإبقائها في حالة من انعدام الأمن والاستقرار.. ما يؤكد من جديد العلاقة التي تربط كيان العدو بالجماعات الإرهابية التي تخدم مخططاته…
الهدف الثاني: إكمال حرب العقوبات الاقتصادية وتشديد الحصار الأميركي على سورية لإجبارها على الخضوع للإملاءات الأميركية، برفع وتيرة العدوان العسكري الصهيوني، للتأثير على موقف القيادة السورية الرافض لأيّ مساومة على ثوابت سورية الوطنية والقومية واستقلالية قرارها الوطني…
الهدف الثالث: زيادة الضغط على محور المقاومة، عبر مواصلة العدوان الصهيوني على سورية، وتشديد الحصار والعقوبات على سورية وإيران والمقاومة في لبنان، في سياق خطة أميركية صهيونية لمحاولة إجهاض الانتصارات التي حققها حلف المقاومة في مواجهة المشروع الأميركي الصهيوني، وإحباط خططه لإسقاط الدولة الوطنية السورية، وعزل إيران، الثورة، والقضاء على المقاومة في لبنان وفلسطين، وصولاً إلى تصفية القضية الفلسطينية، وبالتالي إعادة إخضاع المنطقة والعالم للهيمنة الأحادية الأميركية ومنع ولادة نظام دولي متعدد الأقطاب…
هذه الأهداف الأميركية الصهيونية من مواصلة الحرب على سورية، بوسائل متعدّدة، طرحت وتطرح السؤال حول سبل الردّ عليها لإحباط أهدافها، واستطراداً إيصال واشنطن وتل أبيب إلى طريق مسدود في محاولتهما المستميتة لمنع محور المقاومة من إنجاز النصر النهائي على قوى الإرهاب، وولادة المعادلات الإقليمية والدولية الجديدة على أنقاض نظام الهيمنة الأميركي الأحادي القطب، ومحاصرة كيان العدو ببيئة جديدة تدعم قوى المقاومة..
من المؤكد أنّ قادة حلف المقاومة درسوا سبل الردّ على العدوان الصهيوني العسكري، والحرب الاقتصادية الأميركية، والتي تستدعي، بكلّ تأكيد، تفعيل قوة الردع بالردّ بالمثل، لا سيما أنّ حلف المقاومة يملك قدرات وإمكانيات الردّ عسكرياً واقتصادياً، والأمر يحتاج إلى مبادرة هجومية تنقل أطراف حلف المقاومة مجتمعة من الدفاع إلى الهجوم، أيّ المبادرة إلى اتخاذ خطوات رادعة، إنْ كان من خلال الردّ بالمثل ومباشرة على أيّ عدوان صهيوني، أو بالردّ عبر الإضرار بالمصالح الاقتصادية الأميركية في المنطقة… على صعيد الردّ العسكري، هناك نموذج حصل قبل فترة عندما قصف العدو الصهيوني مطار التيفور وجرى الردّ عليه بقوة عبر قيام حلف المقاومة بقصف مواقع جيش الاحتلال في الجولان المحتلّ، في ما عرف بـ «ليلة الصواريخ»، ما دفع كيان العدو حينها إلى طلب مساعدة روسيا لاحتواء التصعيد والعمل على التهدئة، وانّ الحكومة الصهيونية ليست في وارد الذهاب إلى مواجهة واسعة.. وهذا طبعاً يؤكد أنّ كيان العدو لا يفهم إلا لغة القوة… أما لناحية الردّ على الحرب الاقتصادية، فإنه أيضاً يتطلب مواجهة الحصار، غير القانوني والذي ينتهك القرارات والمواثيق الدولية، بفرض حصار مماثل يلحق الضرر بالمصالح الأميركية، فمثلما يتمّ اعتراض ناقلات النفط الإيرانية ومنعها من الذهاب إلى سورية، بالإمكان أيضاً اعتراض ناقلات النفط المتجهة إلى دول الغرب ومنعها.. وهذا يجبر الدول الغربية، وفي مقدّمها الولايات المتحدة، على التراجع عن مواصلة اعتراض ناقلات النفط الإيرانية… لأنّ بديل ذلك الذهاب إلى الحرب، وهذا خيار ليس في مصلحة أميركا، التي تدرك أنّ الحرب الواسعة في المنطقة سوف تكون لها تداعيات خطيرة على مصالحها وعلى كيان العدو الصهيوني، وعلى دول الغرب التي تعتمد صناعتها على النفط المصدر من دول الخليج.. حيث أنّ توقف عبور ناقلات النفط من مضيق هرمز سوف يؤدّي إلى ارتفاع أسعار النفط إلى معدلات كبيرة، تقدّر بأكثر من 250 دولار للبرميل الواحد، وهو ما لا تستطيع تحمّله هذه الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية.. كما يمكن الردّ على الحصار بخطوات عملية توجد بدائل تجهض الأهداف الاميركية، وذلك عبر إحياء وتفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية بين كلّ من إيران والعراق وسورية، وهو ما تمّ على المستوى الثنائي، وبالتالي إعادة العمل بخط أنبوب النفط العراقي الواصل إلى الموانئ السورية، ومثل هذا الأمر يحتاج بالتأكيد إلى إرادة عراقية مستقلة ترفض الخضوع للإملاءات الأميركية، ويبدو أنّ هذه الإرادة متوافرة، وقد جرى تأكيدها من خلال الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الهامة التي وقعت بين إيران والعراق خلال زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق، وزيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إلى إيران.. وإعادة تأهيل الطريق البري بين سورية والعراق في نقطة البوكمال.. ويبقى انتظار تدشين هذا الطريق بتدفق الحركة البضائع والسلع الزراعية والصناعية… والنفط…
كاتب وإعلامي