الأخرس: أعمالها تضعنا أمام بحث بصري معاصر من حيث حداثة التعبير في طرحها لمسيرتها الحياتية المبنيّة على تساؤلاتها الذاتية داخلاً وخارجاً

لورا محمود

بكامل قوّتها وألمها وبرودها كانت تتجوّل الريشة على سطح لوحاتها وتعيد تدوير ذاكرتها لتخرج منها بمضامين فنية وصياغات بصريّة تشبه الواقع كما تراه عينها، ترى أن كل عمل فنّي هو جزء من صورة أوسع من حيث المسائلة والحوار الذي يقودنا لواقع الانسان المعاصر، وهو واقع يحمل جميع التناقضات التي تهدر حريته وكرامته وقدرته على ممارسة وعيه الانساني، فبالنسبة لها ممارسة الفنّ بكلّ أشكاله قد تكون هي الضدّ المتبقيّ الوحيد الواقف في وجه كل خيبة وانكسارلأنفسنا الطواقة للحرية هي الفنانة التشكيليّة الأردنية عزّة الشريف التي درست وعاشت في دمشق وسافرت بعدها إلى الكويت وعادت بمعرضها الخاص الذي استضافه المركز الوطني للفنون البصرية في دمشق.

«البناء» كان لها لقاء مع الفنانة التشكيليّة عزّة الشريف التي تحدثت عن تجربتها الفنّية ومعرضها قائلة: في المعرض استخدمت الورق وقماش الكانفاس والاثنين تم العمل عليهما وفق مفهوم الحداثة فقد اهتميت بالقطوع الهندسية وكانت العمارة حاضرة جداً بذهني أثناء العمل وكانت جزء من الفراغ وبنفس الوقت جزء من علاقة الانسان بالمكان وكنت مهتمة باظهارها من خلال الوجود المعماري، أمّا بالنسبة للون فليس لدي هوية محدّدة للون لكن يبدو لي أنه عند انتهاء أي عمل يكون هناك طبيعة معينة له وألوان صارخة وواضحة ربما هي كرجعة للكلمة الصريحة التي فقدناها بأيامنا هذه وكان يهمني ان يظهر المشهد بشكل جلي وواضح فحرارة اللون بالنسبة لي تعني حرارة الموقف على الرغم من أن الأشخاض بلوحاتي دائماً بحالة جمود ليس لدي تعبير بالاشخاص لكن المكان واللون والعمارة الحارة كانت كافية كي توضح ما كنت أحسّ به والذي لم يظهر على الأشخاص ظهر بالجوّ العام للعمل.

ولفتت الشريف أن علاقة الانسان مع المكان مهمة لكن لم تكن هي محور تفكيري لكنها ظهرت بالنتيجة النهائية على الرغم أنني في بعض اللوحات دخلت بالمجال المفاهيمي الذي يبعدنا نوعاً ما عن المشهد العاطفي في الحياة، فنحن موجودين بواقع متشرذم وفيه ازدواجية كبيرة لذا لا معنى للوحة التي فيها انسجام كبير ولا معنى للوحة المسالمة جداً على الرغم من وجود العمارة الهادئة في لوحاتي.

وأضافت الشريف: أعمالي التي رسمتها على الورق جزء منها يعود لعام 2014 لذا حاولت أن يكون هناك جسر تواصل بين المرحلتين أي بين أعمالي السابقة والحالية. ففي البداية كان هناك لون حارّ، ولكن عفوي وبسيط وفيه حسّ طفولي نوعاً ما لكن اليوم اللوحة الجديدة أصبح فيها تأكيد أكثرعلى المفهوم الهندسي واللون القوي والغرافيك وهذا يشبهني ويشبه الواقع.

وعن سبب عودتها لسورية لتعرض أعمالها وخصوصية وجود معرضها في المركز قالت الشريف: لقد درست في سورية وعشت بها لمدة 26 سنة وهذا كفيل بأن أتعلق عاطفياً بهذا المكان، وأنا عندما غادرت سورية كنت مشاركة بمعرضين جماعيين فيها لذا لم اكتفي ولم أشعر أنني متواصلة مع هذا المكان لذا كان لا بدّ أن أقيم معرض في سورية فهذه خطوة مهمة جداً بالنسبة لي وحتى لو أقمت معارض أخرى في أي مكان آخر لكن يبقى مروري الأهم هو من هنا.

وتابعت: عندما نبعد عن المكان يكون هذا المكان حاضراً في الذاكرة أكثر لذا الرؤية تختلف لأننا نستحضر مقتطفات من هذا المكان لكن غالباً بلاوعي هذه المقتطفات تعبّر عن الصورة الأوسع وهذا ما حصل معي، ومن المؤكّد تأثّرت بكلّ ما حصل في سورية وحاضر في ذاكرتي وانعكس على اللوحة فلا أستطيع أن أقوم بعمل صادق إذا لم أتعامل بصدق مع أفكاري.

وأشارت الشريف أن عدد اللوحات الجديدة تقريباً 25 لوحة والقديمة 8 لوحات، وقد استخدمت تقنية الأكريليك لأنها ألوان تجفّ بسرعة ولم اعتمد في أغلب اللوحات على ضربة الريشة، فالواقع لم يعدّ مرن وغير متناغم لذا عملت بمواد فيها قساوة في التعبير.

وتابعت: شاركت بثلاث معارض جماعية في الكويت وقد تعاملت مع اللوحة في المكان الذي أنا فيه على أنها مستحضرة من خلاصة كل ما أحسّسته سواء هنا في سورية أو في الأردن، وهذا جعلني أنتقل نقلات تكتيكية كبيرة وغريبة كان لها علاقة بالمكان الذي أنا فيه ولها علاقة بذاكرتي.

الأخرس

أما رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية غياث الأخرس تحدث لـ»البناء»عن الفنانة التشكيليّة عزّة الشريف قائلاً: إننا نختار لغة ما في التعبيرعن مشاعرنا وأحلامنا هو هاجس كلّ إنسان يجدّ في نفسه القدرة على العطاء وعندما ننظر نظرة دقيقة إلى أعمال الفنانة عزّة الشريف تضعنا أمام بحث بصري جدّي ومعاصر من حيث حداثة التعبير في طرحها لمسيرتها الحياتية المبنية على تساؤلاتها الذاتية داخلاً وخارجاً التي حقّقت من خلالها حلمها حتى الآن.

وأضاف: من الواضح أن عزّة استفادت من تحليلها للفضاء المعماري حيث سيطرت على ما حولها من مكوّنات وأعادت تركيبها في بناء لوحتها بإحساس جديد ومعاصر وتوصلت بذلك إلى مفاهيم لونية أقرب إلى الشعر، فالمساحات اللونيّة بما تضمه من رموز إنسانية وأشياء أخرى أسقطت عليها الضوء أدّى إلى حصولها على أبجدية خاصة بها تتنقل بين لوحاتها بما يشير إلى ذاكرة مبنية على ثقافة عالية ورغبة حوارية مع المتلقي الذي يقودنا إلى معرفة جديدة كهدف للتطور والتقدم بما يخدم الثقافة بشكل واسع لاستمرار الحياة بشكل أفضل.

العامري

بدوره تحدث الفنان والناقد التشكيلي محمد العامري من الأردن عن الفنانة عزّة التي يعتبرها من الأسماء الجديدة اللافتة في طرائق تفكيرها الفنّي على اعتبار الفنّ وسيلة ذاتية للتعبيرعن هواجس ذاتية في الأساس لتتحوّل فيما بعد لتقاطعات جماعية أثناء القراءة والعرض العام للأعمال.

وتابع العامري: في صياغتها البصرية نلتقط مباشرة الفردانية بصيغة الجمع أي تمحور الذات في مربع العزلة الأقرب إلى صوفية مؤلمة تتكون فيما يخصّ طبيعة مشهديّات أعمالها التي تظهر مجموعة من الصفاء الجارح على المستوى الشخصي والمحمول بتقنية متأنية وعالية تشف عن حقيقة وطبيعة العين التي تنظر من خلالها الفنانة عزة إلى العالم الخَرِب. فمجموع العناصر المستخدمة في تجربتها الفنية هي محض عناصر تتجاور معها الفنانة في حياتها اليومية حيث نرى مصادر الإضاءات المكتبية والمصابيح الساقطة من السقوف إلى جانب عناصر إنسانية مختزلة يجمعها حوارات صموتة تتناسب وطبيعة الجوّ العام للعمل الفنّي الذي يخصّ روحها الهادئة. هذا ما يقودنا إلى مسألة مهمة جداً هي صدقيّة العمل والإصغاء للذات بصورة صافية وعميقة ودون مواربة. والفنانة عزّة تعبّرعن هواجسها الذاتية بصدق يدلنا على حقيقة ما تفعله في العمل الفنّي.

وأضاف العامري: إن من يدقّق بأعمال الفنانة عزة يستطيع التقاط مرجعيّاتها الجمالية ببساطة متناهية رغم تعقيدات التقنية وحلولها البصرية حيث تذهب في الغالب إلى مسارين في تفاصيل تلك المرجعيّات مسار الطفولة والأمومة ومسار الأدوات الجديدة التي تعيش معنا في هذا العالم المتسارع وتنشط مخيّلتها في صياغات تكويناتها الفنّية التي ترتكز بالدرجة الرئيسية على كسر الخطوط اليابسة كما لو أنها تريد تحويل الحزم الضوئية إلى مناطق تريدها في اللوحة والأقرب إلى إنتاج عمل فني ممسرح بصمته الجليل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى