المجلس الأعلى للدفاع يؤجّل خلافات الترسيم… ويضع سقفاً لخلاف القضاء والأمن التلويح بتخفيض الرواتب وبدلات التقاعد يهدّد بتحرّك في الشارع وانقسام سياسيّ

كتب المحرّر السياسيّ

القلق من سقوط كنيسة نوتردام باريس التاريخية حقيقيّ، كما قالت أوساط بلدية باريس، ومحاولات إطفاء الحريق المجهول الأسباب الذي نشب في سقفها وامتدّ سريعاً إلى كل أنحائها وتسبب بأضرار كبيرة في برجها التاريخيّ، مستمرة وتحتاج لفجر اليوم كي تنجح وفقاً للتقديرات التي أعلنتها السلطات الفرنسية، التي قالت إن المساعي تتركز على إنقاذ الأيقونات التاريخية التي تحتويها الكاتدرائية.

الحدث تحوّل بسرعة إلى حدث عالمي استنفر القادة والشخصيات والمؤسسات الثقافية والحكوميّة للإعراب عن تضامنها وحزنها. وشملت التعليقات والمواقف كل الأوساط اللبنانية التي أجمعت على التعبير عن مواقف وجدانية تتصل بمكانة الكنيسة التاريخية في مكانة باريس الثقافية والسياحية والتاريخية وموقع الكنيسة الديني والتاريخي أيضاً.

لبنانياً، انعقد المجلس الأعلى للدفاع وتفادى الدخول في مناقشة المواقف الخلافية حول قضية ترسيم الحدود البرية والبحرية، في ظل انقسام حول العرض الأميركي بالسير في ترسيم الحدود البرية، دون التلازم مع الحدود البحرية، والتلازم كان قائماً وكان ولا يزال حتى الآن موقف لبنان الرسمي المتفق عليه، وتأجلت مناقشة العرض الأميركي الذي يرفضه رئيس المجلس النيابي نبيه بري ويسانده في ذلك حزب الله، والذي يعتقد كثيرون أن رفض برّي للعرض هو سبب الحملة التي سوّقت ولوحت بتعرضه للعقوبات الأميركية. والعرض يقوم على تثبيت نقاط كانت محسومة بترسيم الخط الأزرق لحساب لبنان، لصالح «إسرائيل»، والنقطتان المعنيتان تقرران مصير سير الخط الهندسي الذي ترسم على أساسه الحدود البحرية. وهو ما يجمع اللبنانيون على رفضه بمن فيهم الذي يوافقون على السير بالفصل بين الترسيم البري والبحري، لكن دعاة رفض الفصل يعتقدون أن مجرد قبول الفصل سيكون تمهيداً للقبول بالعرض الأميركي وتهديد حقوق لبنان المائية بما فيها من نفط وغاز للخطر.

التأجيل لجلسة مقبلة الأسبوع المقبل مبدئياً، سيفسح المجال للمزيد من التشاور تفادياً للخلاف، علما أن التأجيل تم تحت عنوان استهلاك الاجتماع في مناقشة قضيتي التهريب عبر الحدود، والخلافات بين الأجهزة الأمنية والقضائية، خصوصاً ما برز من صراع علني بين مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وقد قرر المجلس حول هذا الملف تكليف النيابة العامة التمييزية القيام بمسؤولياتها كمرجع معني بإدارة العلاقة بين الأجهزة القضائية والأجهزة الأمنية.

وفيما قالت مصادر متابعة إن المجلس استهلك جزءاً مهماً من الوقت في الاستماع لوزير المال ورئيس الحكومة حول عناوين ما يطال الأسلاك العسكرية والأمنية في الموازنة، وهو ما نفته مصادر معنية بالاجتماع، انشغل الوسط السياسي والإعلامي بالتسريبات عن تخفيضات تطال رواتب الموظفين وبدلات تقاعد العسكريين، وقد برزت مواقف نقابيّة وسياسيّة توحي بأن السير بهذه التخفيضات ما لم يتمّ وضع ضوابط تمنع أن تطال ذوي الرواتب المنخفضة، سيؤدي إلى أزمة سياسيّة عبر عنها حزب الله بالموقف الذي أطلقه النائب حسن فضل الله محذراً، بعدما كان وزير المال علي حسن خليل قد قال في حوار مع هيئة تحرير «البناء» أنه من غير المقبول بالنسبة لحركة أمل أن تطال أي تخفيضات أو حسوم ذوي الدخل المحدود.

الأسبوعان المقبلان رغم العطل سيكونان مساحة كافية لتظهير حقيقة ما يتضمّنه مشروع الموازنة من جهة، بعد توزيعها رسمياً على الوزراء، وتبلور المواقف منها بعدما بدا أن حلفاً يضم حركة أمل وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي يرفض التخفيضات الشاملة على الرواتب التي توافق على السير بها تيار المستقبل والتيار الوطني الحر ولا يزال موقف القوات اللبنانية غامضاً، يُنتظر أن يتبدّد الغموض حوله وحول مواقف الكتل النيابية الأخرى خلال جلسة غد الأربعاء المخصصة للتشريع ومناقشة تعديلات على المواد القانونية الخاصة في شأن تلزيمات الكهرباء ودور دائرة المناقصات، والتي ستشهد مداخلات نيابية ينتظر أن تتركز على تخفيضات الرواتب وتتضمّن توضيحات من وزير المال ورئيس الحكومة.

اقتراحات تخفيضات الرواتب تؤجّج الشارع؟

فيما تستعد الحكومة بعد عطلة عيد الفصح الى طرح مشروع موازنة 2019 على النقاش وعقد جلسات مكثفة لدرس بنودها، يحاول رئيس الحكومة سعد الحريري وعلى غرار خطة الكهرباء تأمين توافق سياسي على تمرير آمن لموازنة «تقشفية» تطال قطاعات عدة لن تنجو منها رواتب ومخصصات موظفي القطاع العام، وذلك عبر اجتماعات يعقدها الحريري مع ممثلي الكتل السياسية في بيت الوسط.

ورغم تأكيد وزير المال علي حسن خليل بأن التخفيضات لن تطال سلسلة رتب ورواتب موظفي القطاع العام والشرائح الفقيرة، إلا أن كلام وزير الخارجية جبران باسيل عن شمول التخفيضات الموظفين أو «لن يبقى رواتب واقتصاد وليرة»، بحسب قوله، أحدث بلبلة في أوساط الرأي العام لا سيما موظفي القطاع العام والسلك العسكري تحديداً، ما أجّج الشارع الذي يشهد تظاهرات واعتصامات مفتوحة دعت إليها هيئة التنسيق النقابية ورابطة قدامى العسكريين بدءاً من الغد.

وقد طرح رئيس الحكومة ومعه الوزير باسيل تجميد 15 في المئة من رواتب موظفي القطاع العام لمدة ثلاث سنوات، بحسب معلومات «البناء» إلا أن وزير المال رفض ذلك مقترحاً «التجميد النسبي» أي على أساس شطور، حيث يبدأ التخفيض فقط للموظفين الذي تفوق رواتبهم 3 ملايين ليرة ونسبة الـ 15 في المئة تطبق فقط على الشطر الذي يزيد عن الثلاثة ملايين ليرة من الراتب».

وبحسب معلومات «البناء» من مصادر رسمية معنية فإن مشروع الموازنة يتضمّن جملة تخفيضات من بينها تخفيض مخصصات المتقاعدين الذين يشكلون 72٫7 في المئة من سلّة الرواتب، بعد أن كانت 50 في المئة في العام 2006، وتطال التخفيضات مستحقات التجهيزات العسكرية التي ينالها العسكري الحالي والمتقاعد وعائلته بعد وفاته، ما يحقق وفراً في الموازنة 150 مليار ليرة سنوياً وأيضاً تعديل نظام التقاعد أي جعل التقاعد ممكناً بعد 30 سنة خدمة بدلاً من 20 حالياً، وإلغاء احتساب التدبير رقم 3 في التعويض والراتب التقاعدي. وتكشف المصادر أن «المستفيدين من هذا التدبير ليس العسكريين فقط، بل جميع الموظفين الإداريين الذين يتبعون للمؤسسات العسكرية ما يرتب على الخزينة عبئاً كبيراً».

وتكشف المصادر أيضاً أن «وزارة المال دفعت العام الماضي 100 مليار ليرة تعويضات لـ 90 عميداً أُحيلوا الى التقاعد»، إلا أن هذه الإجراءات تلقى معارضة كتل سياسية عدة ما يُغلِب الاتجاه الى اعتماد هذه الإجراءات مع الموظفين الجدد دون مفعول رجعي».

في المقابل تشير مصادر عسكرية لـ«البناء» الى أن «أي مسّ برواتب أو مخصصات السلك العسكري متقاعدين أو في الخدمة الفعلية يعني تهديد لقمة عيش العسكريين الذين ضحوا بحياتهم للوطن، وبالتالي هو قنبلة متفجرة»، موضحة أن «هذه المخصصات حقوق مكتسبة بالقانون منذ 1967 لا يمكن إلغاؤها»، وتوضح أن «تدبير رقم 3 هو من أساس الراتب ويُعمل به نظراً لصعوبة تصنيف العسكريين في الفئات الوظيفية بحسب القانون أو ترفيعهم الى فئات ثالثة ورابعة، فتم اعتماد هذا التدبير مقابل تصنيف العسكريين فئة خامسة». وتتحدّث المصادر عن 120 ألف متقاعد في جميع الأسلاك العسكرية، متسائلة ماذا يحصل فيما لو نزلوا الى الشارع؟ وتستغرب كيف أن مجلس الوزراء نفسه الذي يستعدّ للمسّ بمخصصات العسكريين يحاول تمرير مرسوم إعفاء مؤسسات وشركات كبرى من الغرامات تابعة لرئيس الحكومة!

وتكشف مصادر لـ«البناء» أن «أحد المستشارين في هيئة أوجيرو يتقاضى راتباً قدره 40 مليون ليرة أي ما يعادل تعويض عشرات العسكريين المتقاعدين».

الى ذلك، دعت هيئة التنسيق النقابية إلى تنفيذ الإضراب العام والشامل في الإدارات العامة وفي المدارس والثانويات الرسمية والخاصة والمعاهد والمهنيات وفي دور المعلمين ومراكز الإرشاد والتوجيه والمؤسسات العامة والبلديات يوم الأربعاء المقبل والاعتصام في ساحة رياض الصلح . على أن تبقي الهيئة اجتماعاتها مفتوحة لاتخاذ الخطوات في ضوء التطورات، محتفظة بحقها بأعلى درجات التصعيد. وشدّدت على أن «المس برواتب الموظفين والمعلمين والمتقاعدين هو إعلان صريح وقاطع بفشل الدولة وليس بفشل الحكومة أو الطبقة الحاكمة فقط»، محملة الحكومة و الكتل النيابية مسؤوليّة الشلل التام الذي سيصيب مؤسسات الدولة ومرافقها العامة وتعطيل العام الدراسي إذا فكروا بالمسّ بالسلسلة والتقديمات الاجتماعية ونظام التقاعد».

إلا أن أوساط بعبدا تشير لـ«البناء» الى أن «كل ما يتم تداوله من مسّ برواتب الموظفين هو مجرد اقتراحات وقابلة للنقاش، ولم يتم التوصل الى قرارات نهائية بهذا الشأن»، مشيرة الى أن «أي قرار لن يُتخذ قبل درسه بين الكتل السياسية وفي مجلس الوزراء والنواب»، وتضيف أن «رئيس الجمهورية شدّد على ضرورة اقرار الموازنة قبل شهر أيار أي قبل انتهاء العقد العادي للمجلس النيابي، أما في حال لم يتم اقرارها في الوقت المحدد فسيصار الى فتح دورة استثنائية للمجلس لاستكمال مناقشتها وتصديقها»، مؤكدة أن «عون تحدث عن صعوبة ودقة الوضع وضرورة اتخاذ إجراءات تقشفية لكن يشدد في الوقت نفسه على موازنة شفافة وعادلة وتخفيض العجز».

أما حزب الله فرأى على لسان عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله أن «هناك أزمة حقيقية حادة اليوم في البلد تتعلّق بمالية الدولة والوضع الاقتصادي والمعيشي، تؤثر على حياة اللبنانيين ومستوى الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة، وعلى فرص العمل وغيرها من الأمور، وهذا يتطلّب معالجة جادة للحد من الأزمة، ولكن على قاعدة اختيار الإجراءات الصحيحة وليس استهداف جيوب الفقراء وذوي الدخل المحدود».

وأضاف: «لا يفكرن أحد من كل القوى المعنية أن بإمكانه أن يبدأ معالجة الأزمة من جيوب الفقراء والمحتاجين وأصحاب الدخل المحدود، بل يجب أن نبدأ من المكان الصحيح. ونحن لدينا رؤية في هذا الموضوع، واقتراحات قوانين موجود بعضها في جلسة مجلس النواب المقبلة تتعلق بالإنفاق الذي لا داعي له، وكله من جيوب ومال شعبنا».

مجلس الدفاع

ولم يتطرق مجلس الاعلى للدفاع الى مسألة التدبير رقم 3 خلال اجتماعه في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضور الحريري والوزراء الأعضاء وقادة الأجهزة الأمنية، وبحسب معلومات «البناء» طلب المجلس إلى الوزارات المختصة اتخاذ تدابير واجراءات لضبط مسألة تهريب الأشخاص والبضائع عبر الحدود البرية، واليد العاملة غير المرخص لها، كما أكد المجلس أن «الأمن هو في خدمة القضاء وليس العكس وأن القضاء ينقي ذاته بذاته أي يحاسب ذاته من خلال النصوص القانونية التي ترعى عمل الجسم القضائي وتحدد سبل المحاسبة فيه». كما عرض الأوضاع الامنية في البلاد وأبقى مقرراته سرية.

ولم يتم التطرق إلى ملف ترسيم الحدود لضيق الوقت على أن يناقش هذا الملف في اجتماع مخصص الاسبوع المقبل.

وتشير مصادر وزارية لـ«البناء» الى استمرار الخلاف في مقاربة مسألة الحدود بين القوى السياسية، «ففي حين يلتقى الحريري مع الرئيس عون وباسيل على الفصل بين التفاوض على الحدود البحرية والبرية، يرفض ثنائي أمل وحزب الله ذلك ويعتبر أن «الولايات المتحدة ليست وسيطاً نزيهاً وتراوغ في طروحاتها»، ويرى أنه «اذا خسرنا ورقة البر لا قدرة على المفاوضة في البحر، وبالتالي يفضل الجمع بين البر والبحر»، فوجهة نظر الحريري وباسيل بحسب المصادر أن «الفصل يمكننا من إنهاء ملف البر ونأخذ ما نريد ثم نذهب الى التحكيم الدولي في البحر، وهناك 13 نقطة خلافية مع إسرائيل في البر ننتهي من 11 نقطة ونترك نقطتين، لكن مصادر الثنائي الشيعي ترى أن هاتين النقطتين تسيطر عليهما اسرائيل وبالتالي مرتبطتان بقاعدة ترسيم الحدود البحرية»، والمشكلة بحسب المصادر أن «الخسارة مع الاسرائيلي في البحر سترتب خسارة في الترسيم بين لبنان وقبرص وكل المنطقة الاقتصادية الإقليمية».

وقالت مصادر مطلعة على ملف الحدود لـ«البناء» إن «الحدود البرية غير خاضعة للتفاوض لانها مرسمة بل تجب إزالة الاعتداءات الاسرائيلية وبالتالي طرح ملف ترسيم الحدود يناقض القواعد القانونية، فالمعالم الحدودية مثبتة والمطلوب ازالة خروقات اسرائيل التي تفاوض على حقوقنا وبالتالي إذا لم ندفع اسرائيل على رفع الاعتداء عن أرضنا في البر لا نستطيع تثبيت حقوقنا في البحر»، وتوضح أن «الحدود مرسمة عبر الخط الأزرق لكن اسرائيل سجلت اعتداءات في 13 نقطة في البر بعد عام 2006».

الى ذلك يعقد المجلس النيابي جلسة تشريعية غداً وأبرز بنود جدول أعمالها تتعلق بالكهرباء وفرز النفايات وملف التوظيفات. كما يعقد مجلس الوزراء جلسة عادية من المتوقع أن تكون في السرايا الحكومي، لن يكون على جدول اعمالها مشروع الموازنة.

على صعيد آخر، عقد الوزير باسيل اجتماعا في موسكو مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، تناول العلاقات اللبنانية – الروسية والقضايا ذات الاهتمام المشترك.

وكانت لافتة زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب الى السرايا الحكومي ولقائه الرئيس الحريري حيث عرض معه شؤون وزارته والأوضاع العامة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى