هل يستهدف ترامب بعدوانه منشآت إيران النفطية أم صناعتها الصاروخية؟

د. عصام نعمان

في 2 أيار/ مايو المقبل تنتهي مهلة «سمح» خلالها دونالد ترامب لثماني دول باستيراد النفط من إيران. بعدها سيعرف الرئيس الأميركي ما إذا التزمت هذه الدول «إنذاره» بوقف استيراد النفط الإيراني أم انها ما زالت ممعنة في ذلك. من المفترض أن يكون ترامب تحسّب لاحتمال راجح بأن يتجاهل بعض هذه الدول إنذاره، فكيف تراه يتصرف؟

الأمر يتوقف على حجم الدولة «المتمرّدة» ووزنها السياسي والاقتصادي. ذلك انّ بعضها حليف أو شريك ويمكن حمله على الامتثال، كاليابان والهند وكوريا الجنوبية، وقد امتثلت فعلاً. بعضها الآخر ندّ قوي، كالصين، أو حليف متأرجح، كتركيا، قد يجد ترامب صعوبة كبيرة، وربما استحالة، في تأديبه او يواجه حرجاً في الضغط عليه. كلّ هذه الاعتبارات سيضعها ترامب في الحسبان عند الردّ على «المتمرّدين».

غير أنّ اعتبارات أخرى يقتضي أن يضعها المتضرّرون كما الحلفاء في حسبانهم عند مواجهة ردود فعل ترامب المحتملة. في مقدَّم المتضرّرين إيران وسورية والفلسطينيون وفصائل المقاومة، وفي طليعتها حزب الله. في المقابل، «إسرائيل» التي يعتبرها ترامب أقوى وأخلص حلفائه في حملته المتصاعدة على إيران، لن تتهاون في تعزيز ضغطها عليه وعلى مساعديه من محترفي العداء للدول العربية والإسلامية لدواعٍ ودوافع ايديولوجية لحمله على تنفيذ تهديداته ضدّ إيران وسورية وفصائل المقاومة العربية. ماذا يمكن أن يفعل ترامب؟

جملة تدابير متدرّجة في الأهمية والعنف:

ـ اعتماد القوة الناعمة Soft Power والدعم الإستخباري والمالي والعسكري السلاح والعتاد لفصائل إسلاموية سلفية، وأخرى اثنية بالوتش وكرد مناهضة لحكومة إيران المركزية، واستغلال تردّي الوضع الاقتصادي نتيجةَ الحصار والعقوبات الاقتصادية لتحريض فقراء البلاد ومحدودي الدخل فيها على السلطة بغية ضعضعة نظام الجمهورية الإسلامية وإضعافه.

ـ استئخار أيّ تدبير سلبي ضدّ الصين الى ما بعد زيارة رئيسها المقبلة لواشنطن.

ـ مضاعفة الضغوط على حلفاء إيران وروسيا في المنطقة، لا سيما سورية، من خلال القوات الأميركية في شرقها الجنوبي التنف وشرقها الشمالي شرق الفرات وكذلك على حزب الله من خلال التضييق على موارده ووسائل تمويله. كلّ ذلك بقصد حمل سورية على تقديم تنازلات سياسية لمصلحة المعارضة الموالية لأميركا والسعودية، ولمصلحة الكرد المعادين للحكم المركزي في دمشق ولتركيا في آن واحد.

ـ تشديد الحصار والمقاطعة على الدول المثابرة في استيراد النفط الإيراني من خلال تحكّم أميركا بالقطاع المصرفي بما هو العمود الفقري للتعامل بالدولار الأميركي في تسديد اثمان النفط.

ـ اعتراض ناقلات النفط الإيرانية والأخرى التي تخصّ دول ضعيفة أو متوسطة القوّة لمنعها من الوصول بحمولتها إلى مرافئ الدول المستوردة.

ـ تشديد الحصار على إيران باعتراض بواخر تنقل إليها مواد ذات طابع استراتيجي في أعالي البحار لمنعها من الوصول الى المرافئ الإيرانية.

ـ تصعيد متدرّج لعمليات «إسرائيل» الحربية ضدّ مواقع مفترضة لإيران في سورية وأخرى لحزب الله في لبنان ولفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

ـ استفزاز إيران باعتراض بعض سفنها الحربية في أعالي البحار او الاعتداء على بعض قواعدها العسكرية على سواحلها الخليجية. كلّ ذلك لاستدراجها إلى استهداف بعض سفن الأسطول الأميركي في الخليج بغية اتخاذه ذريعة لقصف بعض منشآتها النفطية وبالتالي تقليص دخلها الرئيس من عائدات النفط، او للتمادي في العدوان بتدمير منشآتها الصاروخية لتعطيل قدرتها على تصنيع صواريخ باليستية بعيدة المدى بدعوى تفادي تهديدها للأمن القومي الأميركي و»الإسرائيلي».

ـ من المفترض أن يزن ترامب تدابيره العدوانية آنفة الذكر في ضوء تقدير إدارته وقادته العسكريين لردود الفعل المحتملة من الدول الكبرى والمتوسطة ذات الندّية والقدرات التنافسية الوازنة كما انعكاسات هذه التدابير على حملته للفوز بولاية رئاسية ثانية ومدى استفادة منافسيه الديمقراطيين من مردودها السلبي.

في ضوء ما تقدّم بيانه من احتمالات، ماذا تراها تكون ردود فعل القوى المستهدَفَة بتدابير ترامب الاقتصادية وعملياته العسكرية المحتملة؟

إيران، أبرز المستهدَفين وأقواهم، يمكن أن تردّ على النحو الآتي:

ـ الحرص على كيان وسلامة كلٍّ من حلفائها الأساسيين: سورية وفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ودعمها تالياً على جميع المستويات والمشاركة الوازنة في التصدي للأعداء المشتركين.

ـ متابعة إقامة قواعد صاروخية في جنوب سورية لمشاركة قواتها في المواجهة اذا ما قرّرت «إسرائيل» الضرب في العمق السوري.

ـ تنسيق عمليات إنتاج النفط الإيراني وتصديره عبر ترتيبات مع روسيا في بحر قزوين ومع الصين بواسطة ناقلات صينية أو أخرى محروسة من قبلها ومع دول أخرى رافضة للعقوبات والإملاءات الأميركية.

ـ تطوير مختلف أنواع أسلحة البر والبحر والجو، لا سيما الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، وتعظيم إنتاجها لإنجاح عمليات التصدي للعدوان الصهيوأميركي ودحره.

ـ تنظيم مناورات بحرية متواصلة لاعتراض ناقلات النفط السعودي في الخليج ومنعها من الوصول إلى الدول المستوردة في حال قام الأسطول الأميركي باعتراض ناقلات النفط الإيراني في أعالي البحار.

ـ التصدي بلا هوادة للعمليات الاستفزازية الصهيوأميركية في البر والبحر والجو مع محاذرة الإنزلاق الى حرب واسعة.

ـ الاستعداد لمباشرة ردٍّ واسع وصارم، بالتعاون مع حلفائها، اذا ما أقدمت أميركا أو «إسرائيل» أو كلاهما على محاولة تدمير منشآت إيران النفطية او صناعتها الصاروخية وذلك باستهداف قواعد أميركا العسكرية في غرب آسيا، كما استهداف «إسرائيل» في عمقها، بما يشمل مطاراتها وصناعاتها ومرافقها الحيوية.

باختصار، الاحتمال الراجح انّ كِلا الطرفين الأميركي والإيراني وحلفاءهما سيحاذرون الانزلاق إلى حرب خشنة، وانّ أميركا ستمارس المزيد من الشيء نفسه في نطاق ما يُسمّى القوة الناعمة، وانّ إيران وحلفاءها اعتادوا ونجحوا في مواجهة هذا الطراز من الحرب، وانّ أميركا و»إسرائيل» الى اندحار أكيد في نهاية المطاف.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى