أمهات الشهداء.. نموذجٌ يسيرٌ من قصص العزّ وأساطير البطولة
تزدان الأحياء والبيوت والقرى والساحات بصورهم وعبارات الوفاء لتضحيات الشهداء، في ذكراهم يفوح عطر الرجولة والشهامة، إنّهم شهداء الوطن الذي كتب رجاله حكاية المجد والفخار على جبين الشمس فكانوا صنّاع النصر، شهداء أبرار ومن خلفهم أمهات تعجز حروف الضاد عن نسج كلمات تصف صبرهن وتضحياتهن ويجف مداد الفكر خشوعاً أمام عطائهن وتضحياتهن الجسام.
في إحياء ذكرى أكرم مَن في الدنيا وأنبل بني البشر مراسلة سانا بحمص التقت عدداً من أمهات وذوي الشهداء في المحافظة ورصدت في كل أمٍّ قدّمت شهيداً بطلة في هذا الزمان.
تقول حياة عواد أم الشهيد البطل ملازم شرف محمود فرزات المحمود والصبر والإيمان يملأ قلبها ويرتسم الكبرياء على قسمات وجهها مستذكرة فلذة كبدها: «الشهيد محمود الشاب الخلوق ذو الحادي والعشرين ربيعاً كان بطلاً من أبطال الجيش العربي السوري خلال خدمته العسكرية في درعا بمشفى جاسم الوطني لقد سبق الزمن بعمله وحبه للوطن ودافع عن رفاقه أثناء حصار تنظيم جبهة النصرة الإرهابي للمشفى وخاضوا قتالاً شرساً».
وتابعت قائلة: «عندما فشل الإرهابيون باقتحام المشفى ومع اشتداد وتيرة الاشتباكات حاول الإرهابيون تلغيم جزء من المشفى عندها قال محمود لرفاقه غادروا أنتم، وأنا أغطّي عليكم نارياً، وفعلاً خرج عدد قليل وبقي محمود يدافع حتى آخر رصاصة واستشهد بعد أن فجّروا المشفى كاملاً وظل جثمانه الطاهر هناك».
وبكل فخر وكبرياء تضيف أم الشهيد: محمود استشهد مع رفاقه دفاعاً عن عزة وراية سورية لم يكن لمحمود بيت أو أخت هناك، بل كان يدافع عن كل أهله وتستذكر في آخر حديث معه على الهاتف قبل استشهاده بساعات حيث سمعت أزيز الرصاص بكثافة قال: «أمي أنت أحلى أم.. افتخري بابنك الشهيد وبعدها مضى محمود وأنا لم أرَ وجهه ولم أشمّ رائحة عرقه ولم أقبّل جروحه ومضى محمود في ربيع أيامه. فلا يحزنني إلا الفراق ولم تتسنَّ لي رؤية جثمانه ملفوفاً بعلم الوطن، ولكنني اعتز به وأفتخر بأنني نلت الشهادة العليا بأني أم الشهيد».
أم سامر.. أم الشهداء الأربعة
وفي حي المهاجرين تستقبل أم سامر ضيوفها وزائريها بكل رحابة صدر في منزلها المتواضع المزينة جدرانه بصور أولادها الأربعة الغائبين عنها جسداً الحاضرين في جميع تفاصيل حياتها، حيث تقول: «لقد منحني الله الصبر على فراقهم، لأن دماءهم الطاهرة كتبت النصر الأسطوري لسورية في مواجهة أقذر أنواع الكفر والإجرام بحق الإنسانية وفي معارك الشرف والرجولة دوّى صوت الحق ليهزم الباطل وأعوانه ومريديه»، مضيفة: «أنا أمّ وقلبي انفطر لفراقهم إلا أنني عندما أتذكر انتصارات الجيش العربي السوري وعودة الحياة الطبيعية لمعظم مدن سورية أريافها وأحيائها أدرك بأن دماء وأرواح الشهداء ما ذهبت ولن تذهب سدى».
وبغصة وحرقة الفراق أم سامر تعود بذاكرتها للحظات قاسية مرّت بها لحظة إخبارها باستشهاد أول أبنائها الشاب وليم محمد الحسن في حي القرابيص وعمره 27 عاماً تاركا ابنه الثاني قبل أن يكمل الـ40 يوماً من عمره وبعد حوالي ثمانية أشهر استشهد ولدها الثاني عيسى مواليد 1988 في مورك بريف حماة وتلاه الشاب أحمد مواليد 1987 الذي استشهد بالقريتين ليلحق بهم الأخ الرابع 18 عاماً، بالرغم من إعفائه من الخدمة الإلزامية إلا أنه آثر الالتحاق بصفوف الجيش واستشهد في دير الزور في منطقة البوكمال.
أيام قاسية عاشتها أم سامر وتعيشها اليوم بفخر واعتزاز بشهادة أبنائها وتعلّق على صدرها أيضاً وساماً أهدته لها جراح ابنها حيدر خلال معارك تحرير الغوطة في ريف دمشق وقبلها جراحه التي برئ منها في عام 2013 بعد إصابته في منطقة زاكية ليعود إلى أولاده الثلاثة حاملاً معه حكايا البطولات وتضحيات الشهداء من رجال الجيش العربي السوري.
سانا