«يتنحاو قاع»…

عبد الحميد فاخوري

هذا الشعار رفعته الجماهير الجزائرية بلهجتها المحلية، ويعني «تنحوا جميعاً»، وكاتب هذا المقال يَعْتَبِر أنّ هذا الشعار يجب تطبيقه في لبنان على الطبقة الحاكمة بمجملها، والتي تهوِّل على اللبنانيين في موضوع الموازنة وهي المسؤولة الوحيدة عن تضخم الدين العام الذي يعتبر الأساس في الأزمة الحالية، والذي سبّبته هذه الطبقة في هدرها للمال العام وفي فسادها وفي سرقاتها التي لا تحصى والتي شملت كلّ أوجه البنية التحتية والسيطرة على المشاعات التي تملكها الدولة واستباحة أموال مصرف لبنان، وهي أموال عامة، عبر الهندسات المالية التي ضجّت بها مختلف وسائل الإعلام إلخ…

وللتفصيل يجب إيضاح الآتي:

1 ـ هل موظفو القطاع العام مسؤولون عن تقاعس هذه الطبقة، ولا أقول الدولة، عن العجز المتراكم في كهرباء لبنان خلال ما يزيد عن ربع قرن، أم هم الوزراء الذين ينتمون إلى مختلف الأحزاب الحاكمة والذين توالوا على التأكيد للبنانيين بأنهم سيؤمّنون الكهرباء 24/24 حتى تمّ أخيراً التوصل إلى التوافق على خطة يستغرق تنفيذها بضع سنوات، هذا إذا طُبِقَتْ؟

2 ـ هل موظفو القطاع العام مسؤولون عن هدر المال العام الذي نتج عن سيطرة بعض أفراد الطبقة الحاكمة إما مباشرة أو عبر أشخاص تابعين لهم على معظم الشاطئ اللبناني وإنشاء مسابح خاصة دون أن تخضع لأيّ قانون مما حرم الشعب، عدا عن أغنيائه، من متعة السباحة مجاناً في معظم مناطق هذا الساحل.

3 ـ وماذا عن الكسارات وفضائحها التي شوّهت جمال جبال لبنان الرائع؟

4 ـ وماذا عن المجالس المتعدّدة التي أُنشئت كمجلس الإنماء والإعمار ومجلس الجنوب وكذلك وزارة المهجرين إلخ… التي طَبّقَتْ فضائحها الآفاق!

5 ـ وماذا عن النفط والغاز والتأخير في تشكيل الهيئة الناظمة لأسباب محض طائفية مدة بضع سنوات، والتلزيمات التي حصلت بعدئذ والتي أدّت وستؤدّي إلى خسائر هائلة في دخل الدولة حسب الخبير العالمي الدكتور نقولا سركيس.

6 ـ وماذا عن ضريبة الدخل التي يُعتبر تعديلها إلى ضريبة متصاعدة جدية من رابع المستحيلات نظراً لأنها ستُقتطع من الأرباح الضخمة التي تجنيها المصارف وأصحاب الأموال وهم الذين ينتمون إلى الطبقة الحاكمة إياها. أما عن التهرّب من هذه الضريبة فحدّث ولا حرج، ويحصل ذلك بتشجيع من الدولة التي تعفي المتهرّب من عقوبات التأخير، بل وتقسط المبالغ المترتبة عليه.

7 ـ وماذا عن الصفقات بالتراضي أو حتى صفقات المناقصات التي يتمّ التوافق عليها! والتي يستفيد منها أزلام الطبقة الحاكمة وخسرت الدولة نتيجتها أموالاً لا يمكن تقديرها.

8 ـ وماذا عن الهندسات المالية التي أمّنها حاكم مصرف لبنان للمصارف اللبنانية التي أنتجت أرباحاً لم تخضع لأية ضريبة؟

وماذا عن… وماذا عن… وهي لائحة طويلة يقصر لمقال واحد أن يحصرها. وللتوضيح أقول بأنّ هذه الطبقة وأذنابها ليست طبقة سياسية فقط، بل هي طبقة سياسية ـ مالية ـ اقتصادية حكمت لبنان منذ إنشائه، بل ربما قبل ذلك، وتحكَّمت بجميع مفاصل حياة اللبنانيين: إقطاعية في البدء ثم رأسمالية متوحشة طابعها الأساس هو تراكم الثروات دون حسيب أو رقيب مستغلة الطائفية والمذهبية إلى أقصى الحدود لتطويع اللبنانيين وقِسمتهم درءاً لقيام معارضة جادّة لها. والمدهش في هذه الطبقة قدرتها على استيعاب غيرها من الطبقات الناشئة عدا القليل منها، ويمثل هؤلاء شخصيات مستقلة نادرة كالدكتور سليم الحص وهيئات وأحزاب، قليلة جداً لا تزال تقاوم الاندماج بهذه الطبقة.

ألم يحن الوقت لنقول لهذه الطبقة «يتنحاو قاع»؟ وإلا فالمصيبة ستحلّ على اللبنانيين جميعاً… باستثناء هذه الطبقة طبعاً.

«تنحوا جميعاً»…

كاتب لبناني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى