الشاعر والإعلامي حسن م. العبدالله: أنا مع النصّ الذي يُهدِّد ويخلخل ويثير الأسئلة والقلق وإلا ما قيمة الكتابة

رنا صادق

الصحافي والإعلامي حسن م. العبدالله الذي تُرجمت مجموعته الشعرية «الكائن، والساحر والمتكلم» التي تحكي الفلسفة الوجودية في ظل السياسة العامة التي تحكم الإنسان المظلوم التابع لسلطة حاكمة إلى الألمانية، يقول لـ»البناء» عن هذه التجربة: عندما طرح الصديق الشاعر سرجون كرم مشروع ترجمة مجموعة من قصائدي، كان من الطبيعي أن آخذ بعين الاعتبار أن قارئاً ألمانياً سيفتح صفحات الكتاب، وبالتالي اختياري كان منصبّاً على نصوص تقدّم شخصيتي الشعرية وتجربتي ومناخي بدقّة. لكن أقول لك بصراحة إن الهمّ الأول هو القارئ أينما كان، ولا سيما أن الديوان صدر باللغتين العربية والألمانية.

ويقول: هناك ناحية مهمة تتوجّب عليّ الإشارة إليها وهي أن ترجمة قصائدي إلى الألمانية وضعتني في حالة من الترقّب لما ستكون عليه ردة فعل القرّاء الألمان، مع معرفتي المسبقة بالمقاييس النقدية والذوقية والحسية التي يتمتّع به المتابع للشعر في ألمانيا. وعندما أبلغني الصديق سرجون أن مدير قسم الآداب في جامعة بون قرأ الديوان وقرر تضمينه المنهج الدراسي، اكتشفت كم كان الأمر حسّاساً ومجدياً في الوقت نفسه. لذلك أجدد عبر «البناء» شكري وتقديري للصديق سرجون والمترجمة كورنيليا تسيرات على جهدهما الكبير.

وعمّا إذا وضعته الترجمة أمام تحدٍّ جديد في الكتابة، يجيب: في الأساس مشروعي في الكتابة هو العمل المتواصل على نصّ جديد يترك أثراً، ويكون له معنى. أنا أكتب أولاً لأحاول صياغة أفكاري وقناعاتي ومخيلتي بلغة شعرية. ثانياً أريد أن أساهم في هزّ الحداثة التي بناها مَن سبق من شعراء، لأنني أعتقد أن قصيدة النثر وصلت إلى المراوحة مع الإشارة إلى أنها حققت إنجازات معينة، ولا يجوز أن تستمر «رابخة» على النصّ محاصِرة الصوت الشعري بقوانينها وأطرها، ولا سيما أنها استنفدت موضوعها أو ربما استنفد شعراء النصّ النثري موضوعهم، وأخذوا يدورون في حلقة مفرغة تتكرّر معها القصيدة كقيمة وكبِنية. لذلك أقول لكِ إن العصر الآن هو للنصّ المفتوح المتحرّر من ربقة المسلمات والأحكام، وعلينا التجريب والتجديد شرط امتلاك مفاتيح اللغة والفكر والثقافة والجرأة. أشدّد على الجرأة في الكتابة لأنها المدخل لقول ما ينبغي أن يُقال في مواجهة ستار حديدي يحرسه سلفيّون ودواعش وظلاميون وإرهابيون وإمبرياليون في كل نواحي الحياة، وهذه ليست مهمة سهلة وفي المتناول، بل تحتاج إلى شجعان ومثقفين حقيقيين يخرجون من الماضي إلى المستقبل.

ثمة مناخ سياسي وآخر وجودي إنساني في قصائده حيث يقول: إذا لم تكن لديّ فكرة جوهرية ذات معنى حقيقي فلن أكتب. أنا أفكر بالوجود ومعناه وأحاول استكشاف دواخله من خلال الشعر، كما أنني على علاقة جدلية بالسياسة ومآلاتها وبالحب وأغواره والعلاقات ولهيبها والمدن وأصواتها وآلامها، وأهجس بالولادة والموت والمرض والألم والفرح وأصوات الأنهار والعصافير والأشجار. لا أتخيّل ولا أشعر بل أحترق بالأفكار والمعاني وأحاول أن أفتح على رؤية جديدة للعالم. حقيقة، لقد سئمت من عجز معظم الشعراء عن فتح الباب على عالم جديد أو عن المساهمة في عالم جديد، لأنهم يتمسّكون بأوهامهم ورغباتهم ومصالحهم، ولا يقدرون حجم المسؤولية الملقاة على النصّ الشعري بمعناه الإنساني، بمعنى أنهم كمن وصل إلى سنّ التقاعد وبات الراتب الشعري التقاعدي يكفيهم من دون قلق الكدح والتطوير.

وأضاف: مشروعي هو أن يكون الشعر منصة لصياغة الحياة ومعالجة تداعياتها. ربما أتمكّن من الإسهام في رفع العالم من بين الأنقاض وربما أفشل، لكنني سأحاول بالرغم من خساراتي المتراكمة.

وحول أعماله الشعرية المستقبلية قال: أنا أكتب بغزارة ولكن بهدوء. من الطبيعي أن أصدر ديواناً آخر وهو في طور التنقيح، ويتضمّن جزءاً من الاحتراب الداخلي والاشتباك مع الخارج.

وختم قائلاً: برأيي مستقبل الشعر مرهون بشجاعة الكاتب على كتابة نصّ من دون التفكير بمصيره وحياته. أنا مع النص الذي يُهدِّد ويخلخل ويثير الأسئلة والقلق، وإلا ما قيمة الكتابة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى