هل التهديد الأميركي بالحرب على إيران مجرّد استعراض؟ 2
حميدي العبدالله
لكن في المقابل هناك عوامل أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار يمكنها أن تقود إلى اندلاع الحرب بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وإيران وحلفائها من جهةٍ أخرى، وثمة خطأٌ فادح في استبعاد مطلق لمثل هذا الاحتمال.
أما العوامل التي قد تدفع إلى وقوع الحرب، فيمكن تلخيص أبرزها على النحو الآتي:
العامل الأول، هناك أطراف لها تأثيرٌ واسعٌ على صانعي القرار في الولايات المتحدة، جمهوريين وديمقراطيين, يمكنهم أن يورّطوا الولايات المتحدة بحربٍ ضدّ إيران ويزيّنوا لصانعي القرار الإقدام على مثل هذه المغامرة، وهذه الأطراف بعضها يملك التأثير والإغراء المالي، مثل المملكة العربية السعودية التي ترى أنّ إيران وما حققته من نفوذ على مستوى المنطقة، يشكل تهديداً وجودياً لها، وبالتالي لديها الاستعداد لدفع وتمويل كلفة أيّ حرب تساعدها على إبعاد هذا الخطر عنها. كما أنّ تل أبيب بما لها من نفوذٍ تقليديٍ قديم واسع النطاق على صانعي القرار في الولايات المتحدة، فهي الأخرى ترى أنّ إيران، لا سيما من خلال دعمها لقوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية ودعم الدولة السورية، تشكل أيضاً تهديداً وجودياً لها، وبالتالي لدى المسؤولين في تل أبيب الكثير من الحسابات التي تدفعهم لعمل كلّ ما هو مستطاع لإقناع صانعي القرار في الولايات المتحدة بشنّ حرب على إيران، مهما كانت كلفة هذه الحرب، وسوف يسعون لإقناع المسؤولين وصانعي القرار بأنّ كلفة الحرب أدنى من كلفة التسليم بالنفوذ الإيراني في المنطقة، الذي يتنامى على حساب نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها.
العامل الثاني، جميع الإمبراطوريات الاستعمارية الكبرى عند بدء حدوث تحولات دولية وإقليمية كبرى تعكس تراجع نفوذها، وتجعل قدرتها في الحفاظ على المصالح التي تكونت لها سابقاً تتراجع، تلجأ إلى مغامرات وحروب، ولم تقبل التكيّف مع الواقع الجديد، وتوازناته ومعادلاته، إلا بعد حروب تختبر فيها قدرتها على عكس مسار التاريخ. حصل هذا ما بعد الحرب العالمية الثانية بالنسبة للإمبراطوريتين الاستعماريتين، البريطانية والفرنسية، وتحديداً في العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي- الإسرائيلي على مصر عبد الناصر. ووضع الولايات المتحدة اليوم لجهة تراجع نفوذها وقدرتها كإمبراطورية امبريالية يشبه وضع الإمبراطوريتين الاستعماريتين البريطانية والفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية، لذلك يمكن لتحريض أطراف لها مصلحة في اندلاع حرب مع إيران بمستوى تأثير كلّ من المملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني، أن يجد آذاناً صاغية لدى صانعي القرار في الولايات المتحدة.
العامل الثالث، طبيعة الإدارة الأميركية الحالية، حيث يقف على رأس هذه الإدارة رجلٌ غير متزن، هو الرئيس ترامب الذي أحاط نفسه بمجموعة من عتاة اليمين المتطرف الذين يسعون إلى إشعال فتيل الحروب، ويسعى هذا الفريق جاهداً إلى إقناع صانعي القرار بصوابية شنّ الحرب على إيران مدعوماً من تل أبيب والرياض.
هذه العوامل مجتمعة تجعل احتمال أن تقوم الولايات المتحدة بشنّ الحرب على إيران احتمالاً قائماً ولا يمكن استبعاده بالمطلق.