الأمين العادل
ربيع الدبس
مبدئياتُه طبّقها على نفسه أولاً، ثم على عائلته، فحياته النضالية المشهودة بالمواقف والمصحوبة بالملاحقات والإعتقالات، لكنِ المعجونة بالصمود والإباء والجبين العالي… لم يساومْ على أخلاق النهضة وسلوكيات النهضة. تمرّسَ بالفضائل والوعي العَقَديّ والسياسي، ولم يكن شغفُه ببيروت ودمشق دون شغفِه بإزرع في درعا، حيث استمدّ من أرضها الانتماء للريف، للوطن وبَرّيته اللذين اعتبرهما الزعيم أنطون سعاده أقوى عناصر تلك الظاهرة الاجتماعية – النفسية التي ندعوها القومية.
الأمين عادل طَبَرَة بالراء المفتوحة والتاء المربوطة لا بغيرهما انخرط في صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي بعزيمة أبناء القضية وبأفق التوّاقين إلى تغييرٍ بنْيَويّ في حياة شعبنا وبلادنا، فتسلّمَ مسؤولياتٍ فرعية ومركزية حيث كان أداؤه عملانياً وتنفيذياً لكنه ظلّ مشدوداً إلى القيم المناقبية التي غرسَتْها في نفوسنا مبادئُ النهضة، التي لم يكن اعتيادياً ولا صدفةً ولا توجيهاً عابراً أن يؤكدها سعاده العظيم بقوله: «إنّ العقلية الأخلاقية الجديدة التي نؤسّسها لحياتنا بمبادئنا هي أثمن ما يقدّمه الحزب للأمة»… هذا يعني، في أضعف الإيمان، أنْ لا معنى في الكفاح القومي الإجتماعي لِمَنْ يرصف نفسه في صفوف النهضة لكنه ليس منها: تفكيراً وسلوكاً ونفسيةً صراعيةً، من دون أن نُغفل انسكاب الإكْسير الأخلاقي في كلّ من التفكير والسلوك والروحية الجديدة.
كان الأمين عادل واحداً من رفقاء والِدِي الذين سكنوا عقله ووجدانه، فضمّتْ تلك السُكنى أواصر المودة الصافية والاحترام. لذلك نادراً ما كنا نذهب إلى دمشق من دون أن نزور رئيس بلدية «قرى الأسد» الذي كان مسؤولاً عن الإكساء فيها والموثوق بأمانته المالية والقانونية، والذي أنشأ مع زوجته السيدة نوال خوري عائلة نموذجية قوامها: الطبيبة النسائية الدكتورة ندى، وطبيبة المختبر في ألمانيا الدكتورة ريم، والمهندس وائل، وخاتمة العنقود رامي الذي يعمل في حقل التجارة.
لقد أسّسَ الراحل الغالي مكتباً هندسياً مشهوداً له بالإنجازات. ويكفي الإعتراف له، مهندساً وفريقَ عمل، ببناء ستِّ قرى في محافظة الرقّة بتكليف من الحكومة السورية ورعايتها. كما أنه أشرف ميدانياً على بناء بيوت أهالي دير حافر، الواقعة بين الرقة وحلب، بعد أن أغرَقَ الغمرُ الطبيعي منازلهم فَتَداعتْ وتعذّرَتْ فيها الإقامة. ولم يكن الرجل، الذي زوّدَتْه الدولة بسيارة خاصة للمساعدة في القيام بالمهام المُسنَدة إليه، ليرضى مُطْلقاً لأيٍّ من أفراد أسرته باستخدام السيارة التي هي ملْكُ الدولة وأمانتها في عنقه.
وداعاً أبا وائل. ولَئِنْ وافاك الأجَل خارج الوطن حيث أسْلمتَ الروح بهدوء وهناء، فإنَ رفقاءكَ ومواطنيكَ كرّموك في قلب الأمة النابض بالحشد وبالزوابع، وفاءً لمسيرتك العامرة بمزايا الحزب الذي استودعتَه أمانة القضية كما سبق له أنِ استودَعَكَ دوراً بهياً في حمْلِ القضية.