التنبه لمناورة الزمن وروزنامة الاستحقاقات مع ساترفيلد

ناصر قنديل

– حتى الآن يبدو أن ما حمله معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد إلى المسؤولين اللبنانيين حول التفاوض لترسيم الحدود البرية والبحرية إيجابياً ويبدو استجابة مفاجئة للرؤية اللبنانية التي تستطيع القول إنها حققت انتصاراً تكتيكياً مهماً بفعل التضامن السياسي والرئاسي من جهة وقوة لبنان الرادعة التي وفّرتها المقاومة وفق معادلة الغاز بالغاز. من جهة أخرى وبفعل الحاجة الإسرائيلية الماسّة لطمأنة أسواق الاستثمار العالمية في مجال النفط والغاز إلى مستقبل تعاملها في المنصات الإسرائيلية تحت سقف اتفاق يوفر الأمن للاستثمارات والأعمال من جهة موازية.

– المفاوضات لم تبدأ بعد وقبول التلازم بين المسارَيْن البرّي والبحري من جهة وقبول الرعاية الأمميّة من جهة أخرى موافقتان إسرائيليتان وأميركيتان تثيران الريبة ولا يجب وضعهما حصراً في دائرة النجاح اللبناني والحاجة الإسرائيلية والقلق من معادلات الردع. فأميركا و»إسرائيل» في قلب حربين متلازمتين واحدة بوجه إيران وثانية لتسويق صفقة القرن ويجب التنبه لحاجة واشنطن وتل أبيب لتحييد لبنان وقوة مقاومته، خصوصاً عن هاتين الحربين. فالمقاومة هي القيمة المضافة الرئيسية في جبهة المواجهة التي تنتصب خصوصاً بوجه مشروع صفقة القرن، وملف التوطين وتصفية حق عودة اللاجئين الفلسطينيين قضية لبنانية لا تقل أهمية عن مفاوضات الترسيم، والموقف اللبناني الجامع مع المقاومة في مواجهة صفقة القرن سيُسهم في كشف حدود المناورة الأميركية الإسرائيلية، بينما الابتعاد عن المقاومة في هذه المواجهة ومطالبتها بالتهدئة فسيعني تشجيعاً لمناورة أميركية إسرائيلية تستثمر تضييع الوقت التفاوضي لتمرير العمليات التمهيدية في صفقة القرن، ومن ضمنها إنهاء حق العودة بغياب المقاومة، وتغييبها بشراكة لبنانية.

– التنبّه هنا يعني أن يضع اللبنانيون الواقفون في صف المسؤوليّة التفاوضيّة والذين لا يوافقون المقاومة في كل خياراتها في حساباتهم أن شلّ قدرة المقاومة على تظهير موقفها من الحربين الكبيرتين المتصلتين بمستقبل المنطقة يصب في خدمة «إسرائيل» لا المصلحة اللبنانية، وأن الزمن الذي ستستهلكه المفاوضات سيكون مؤشراً على حقيقة النيات الإسرائيلية الأميركية، حيث يفترض إذا صدقت التحليلات والقراءات عن تراجع إسرائيلي برعاية أميركية بخلفية الحسابات المصلحية التي يمليها الإسراع في استخراج النفط والغاز أن تسير المفاوضات بسرعة، وأن تفضح كل مماطلة في الشكليات والتفاصيل وروزنامة التفاوض ومواعيد جلساته وجود نية أخرى لها عنوان واحد، هو التفاوض لأجل التفاوض، كما كان حال المفاوضات الإسرائيلية مع السلطة الفلسطينية، ولذلك فإن أولى مهام الجانب اللبناني وضع روزنامة افتراضيّة لكل مرحلة من المفاوضات، ترسم خطاً أحمر عندما يكون الوقت المستغرق قد تخطّى التوقعات المفترضة، سواء لمرحلة المفاوضات التحضيريّة قبل الجلسة الأولى، أو مفاوضات الشكليّات والترتيبات، أو المفاوضات التقنية الجغرافية، والمفاوضات القانونية الاقتصادية، وصولاً إلى المفاوضات الختامية، وفي كل مرة يتم تخطي الزمن الافتراضي المتوقع يجب التساؤل حول الخلفية، والتدقيق بحجم قضايا الخلاف بقياس المصلحة النفطية الإسرائيلية وأضرارها، وما يستحق بالمقابل تحمل هذه الأضرار، ماذا عساه يكون؟

– على ضفة موازية يجب أن يضع لبنان أمامه ميزاني قياس ومراقبة، واحد يتصل بمسار التوتر الأميركي الإيراني في ظل تهديد إيران بالخروج من الاتفاق النووي خلال ستين يوماً تنتهي مطلع شهر تموز، والحديث الأميركي عن القلق من قدرة إيران على امتلاك ما يكفي لإنتاج قنبلة نووية خلال شهرين أو ستة شهور إذا عادت للتخصيب المرتفع لليورانيوم، ومراقبة إيقاع الحركة التفاوضية الأميركية الإسرائيلية مع هذه المواعيد. وبالمقابل مؤتمر البحرين الخاص بصفقة القرن وما سيليه من مواعيد ترتبط بها وبحلقاتها المتسلسلة، وجعل تقاطعات الروزنامتين مؤشراً للمفاوض اللبناني ومرجعيته السياسية والأمنية في قياس الجدية من المناورة في الحركة الأميركية والإسرائيلية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى