أنموذج «الإسلام التركي»
حميدي العبدالله
هلل الغرب على امتداد عقد، وهو عمر حكم حزب العدالة والتنمية، ذي الخلفية الإسلامية الإخوانية في تركيا، لأنموذج حكم جديد قد يجري تعميمه ليشمل الدول العربية والإسلامية في كلّ أنحاء العالم، ولعلّ ترحيب الحكومات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بما حدث في بعض الأقطار العربية، ابتداءً من نهاية عام 2010 وحتى وقت قريب، حيث أطلق على الحراك الذي شهدته هذه الأقطار تعبير«الربيع العربي»، يأتي في سياق الجهد المبذول لتعميم الأنموذج التركي.
في الأطروحة الكلاسيكية التي عادة ما تأخذ بها النخب المثقفة في العالم العربي والإسلامي، أنّ هذا الأنموذج يصالح الإسلام مع الديمقراطية، ويبدّد مقولة إنّ العالم الإسلامي يتعارض بنيوياً مع خيار الديمقراطية. لكن في واقع الحال فإنّ الحسابات التي دفعت بالحكومات الغربية إلى الحديث عن الأنموذج التركي لا صلة لها بهذه الأطروحة، حتى وإنْ كانت الحكومات الغربية تفضل أنظمة حكم في العالمين العربي والإسلامي تكرّس علاقة إيجابية مع الديمقراطية حتى لو كانت أدنى من الديمقراطيات الغربية.
المعيار الأساسي بالنسبة للحكومات الغربية ليست الديمقراطية، بل مدى التعاون مع الغرب والخضوع المطلق لتوجيهاته والانسجام الكامل مع هذه التوجيهات حتى لو تعارضت مع مصالح الدول المعنية أو مع رؤية حكام هذه الدول. فالقناعة لدى الحكومات الغربية كانت تكمن في أنّ حزب العدالة والتنمية ذا الخلفية الإسلامية الإخوانية والذي جاء إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع والدعم الغربي لـه سيحافظ على مكانة تركيا ودورها في المنظومة الغريبة وحلف «الناتو» من دون أي شكل من أشكال التعارض أو استقلالية القرار، أو تغليب الحسابات الخاصة على الوفاء بمتطلبات المنظومة الغربية.
يبدو أنّ هذا الحلم الغربي يتبدّد الآن في تركيا، وثمة مراجعة واضحة لهذه الرهانات على الأنموذج التركي، مراجعة لا علاقة لها بسقوط حكم الإخوان في مصر وتونس، وعدم واقعية الرهان على الجماعات ذات الخلفية الإسلامية، بما في ذلك جماعة «الإخوان المسلمين» التي اعتاد الغرب على تصنيفها بالمعتدلة، بل تتصل بعلاقة حكم حزب العدالة والتنمية مع المنظمات المتطرفة والإرهابية ومستوى التعاون بين أنقرة وهذه التنظيمات، والأهم من ذلك الطموحات والتطلعات غير الواقعية التي عبّر عنها قادة حزب العدالة والتنمية وعلى رأسهم رجب طيب أردوغان الذي دعا في خطاب علني إلى إعادة النظر بالحدود التي أسفرت عنها نتائج الحرب العالمية الأولى، والمقصود بذلك نية تركيا الاستيلاء على مناطق في دول أخرى بذريعة مراجعة الحدود الناتجة من هذه الحرب.
ثمة قضية أخرى هامة تعكر صفو العلاقات التركية الغربية وتدفع الحكومات الغربية إلى مراجعة رهاناتها على الأنموذج التركي، وهي إصرار الحكومة التركية على توريط الغرب بصراعات لا قدرة لـه على تحمّل تبعاتها، لا لشيء إلا من أجل إخراج حزب العدالة من ورطة توقعاته غير المنطقية، ويشار على هذا الصعيد إلى إصرار أردوغان وقادة حزب العدالة والتنمية على توريط الولايات المتحدة وحلف «الناتو» في حرب مباشرة ضدّ سورية بذريعة المناطق الآمنة ومناطق الحظر الجوي.
مواضيع الخلاف بين تركيا والغرب حول هذه المسائل، إضافةً إلى سقوط حكم الإخوان في أكثر من بلد عربي بسرعة فاجأت الجميع، يؤكد فشل الأنموذج التركي في الرهانات الغربية.