دراما
جهاد أيوب
أكثر من 93 عملاً درامياً عربياً توزّعت على 25 عملاً خليجياً، و 32 عملاً سورياً خارج المشترك، و25 عملاً مصرياً، و10 أعمال لبنانية منها 7 أعمال مشتركة، وعمل فلسطيني يتيم… هذا الكمّ الإنتاجي الضخم والكبير مخيف ليقدّم فقط في شهر واحد وهو شهر رمضان!
تعيش الدراما العربية في رمضان 2019 رغم تميّز القليل منها، وضعف كم بعضها، وفكّ أسرها، تعيش تخبّطاً واضحاً في أكثر من مجال وصعيد، خاصة وهي شبه فاقدة للذاكرة، وتتصارع تجارياً في إثبات حضورها، وبغالبيتها كآبة وسوداوية، وتدور حول المسلسلات التركية والتي أصابتها بالعقد الكثيرة، ومسجونة برجالات النظام حتى أصيبت بالنكسة. وهذا يجعلنا نطرح قضية الحرية والفكر الحر، وأبواق النظام العربي المانع للحرية بحجة السياسة والخوف من أغنية وقصيدة وفيلم ومسلسل… النظام الذي يخاف من كل ما ذكرت ليس نظاماً يستحق الاحترام، والعمل الإبداعي لا ينمو من دون حرية لذلك أعمال العرب متواضعة!
على صعيد الطرح لا تزال هاربة من واقعها إلى حدود التعرّي منه. وقد نجدها تدفع إنتاجياً الأموال لسذاجة الفكرة ولمجرد إرضاء الشاري والفضائية التي ستعرض أعمالها، يضاف إليها إرضاء الممثل الجديد المقبل إلينا من فراغات المهنة وغباء الفكر خاصة عند ممثلات الصدفة والمعتمدات على جمالهن دون موهبتهن!
دراما العرب لهذا العام تشبه الفكر العربي من حيث التشتت والهروب إلى المجهول، وتصرّ كما أهل الساسة على أن تساهم في تخدير المواطن العربي الباحث عن ما يسلّيه خارج زمانه المغموس بالرزق المفقود، وتهدر وقت المجتمع العربي الباحث عن عنصرية مناطقية في البلد الواحد وبين البلدان الشبيهة في الطائفة والطوائف والأديان، وهي شريكة في جريمة إصابته بالعجز واقفاً مهما قيل إن الدراما للتسلية!
دراما هذا العام مسجونة بالفساد، ومتشابهة بغياب الأفكار الجديدة، ومنغمسة بالمرض التركي من خلال الجريمة، والحقد العائلي، والجنس، والمشاهد المثيرة، والمافيا، ربما بعض الأعمال البيئية الخليجية خرجت عن هذا النمط ولكن!
لم يعُد الشاري الخليجي وفضائيّاته هو الهدف الرئيسي من الإنتاج الآخر، وعند المنتج العربي باستثناء المنتج المصري الذي يعمل حتى الآن وعينه على المال الخليجي، وللأسف لم يتعلّم الدروس بعد.
والمتابع يتلمّس تغييراً حدث في الذوق عند المتلقي العربي ككل لأسباب كثيرة، منها تقليده لحياة الغرب والادعاء بتمسّكه بتقاليد دينه وعادات القبيلة مما ولّد عنده انفصاماً بالشكل، وعقداً بالمضمون والتصرف.
كذلك الغيرة والحسد والنق، وهذه صفات أصبحت تلازم المواطن العربي في كل مكان، وفي حال كهذا من السهولة وقوع الشجار يومياً في حياته، وهو عصبي المزاج دائماً، لذلك يتقبّل أعمال العنف والقتل والفساد دون أن يرفّ رمشه.
إن كثافة الغبار على الحلم العربي كمواطن وكعضو في مجتمع فاعل أصبحت عقدة فشله وأكبر من طموحاته رغم الادعاء بالعلم، فسارع للاختباء خلف زعيمه خوفاً من عدم تأمين وظيفة، والرجوع إلى رجل دين متطرّف كي يحافظ على كيانه المذهبي، وربما يدخله الجنة حتى لو ارتكب جريمة.
كل هذه الصور الحية والواقعية، والتي تشكّل دراما الحقائق أولدت انفصاماً في الدراسة، والدين، والعلاقات الاجتماعية وفي الوظيفة فأنهك، وهرول إلى عالم الدراما وما يقدم له بإرادته شاكياً، ومتابعاً مع أن لسانه منفصم كلياً عن أفعاله!
الغاية
من المتعارف عليه أن الغاية تكمن عند الطارح والفاعل وليس عند المفعول به، وفي حالاتنا العربية العكس، وأصبحت الغاية ملكاً عند المواطن، لا بل يسعى إلى أن تكون غايته في مشاهدة الأعمال الدراميّة الموسميّة في شهر رمضان لتصبح تقليداً، وكتسلية لتمرير ساعات الصوم!
والأخطر أن غايته هي وجاهة، وادعاء بأنه شخصية مثقفة والدليل على ثقافته مشاهداته للدراما بكل فصولها وأنواعها كما حاله مع أمراض التواصل الاجتماعي ليسجن في جهازه الصغير، ويبتعد عن ذاته وأسرته رغم عيشه بينهم!
كما أن المشاهد العربي أصبح أسيراً للفضيحة، وعليه أن يتابعها حتى لا يُقال عنه أنه من جماعات التخلّف، وإما أن يصنعها وينشرها، أو يلتقطها ويعممها… وهنا بيت القصيد أي يناقشها ضاحكاً دون أن يدرك أضرار فعلته، وكم يتفاعل معها إذا كانت في العمل الفنّي.
عوائق
صحيح الفيتو السياسي خفّف من عوائق هذا العام كما حصل مع الدراما السورية تحديداً، ولكن في مصر اختلفت الصورة، والاكتفاء بالمحلي تغيّر، وأصبحت الفضائيّة ترغب بالتنوّع حتى في القنوات المصرية، وربما الأعمال المشتركة كانت سبباً لهذا، ولكن بأسعار مؤسفة تحدّدها المحطة. ولا ننسى أن غياب نجوم الصف الأول عن المنافسة الرمضانية بسبب عدم التوزيع، وعدم رغبة القنوات الكبيرة بعرض أعمال نجوم الصف الأول لعدم رواج أعمالهم، لتحتل أعمال الشباب المكانة والفراغ. كما لم يعُد التوزيع فقط هو العائق بقدر استعادة المال من أصحاب الفضائيّات هو العائق الأهم، ومن ثم عدم حصول الفنان على أتعابه كاملة من المنتج، وهذا ما عانته غالبية الأعمال، لا بل هنالك أموال لم يحصل عليها المنتج من الشاري من العام الماضي، وكذلك الفنان من المنتج من أكثر من عامين مضت، يضاف إلى ذلك عدم مغامرة المنتج مالياً وفكرياً فابتعد عن الإنتاجات الضخمة كالتاريخي والديني، واكتفى بإنتاج ما تيسر حتى لو قدم أكثر من عمل، والنتيجة استسهال الطرح.
لكل ما ذُكر، ولعدم رغبة القراء بالقراءة سنحاول هذا العام التطرّق إلى دراما 2019 من باب السهم المباشر خارج تناول كل عمل فرادة، وغالبية ما طرح متشابه ومن دون حبكة دراميّة والأحداث افتعالية غير الأساسية، فالمرض ينتشر، والجسد بتضخم، والعقل يصغر، والإنسان العربي يضمحل.
باختصار لا يمكن لواقعنا السياسي والاقتصادي والثقافي العربي المنحط أن ينتج فناً مقبولاً. فالبعوض يتكاثر في المستنقعات!