قراءة في إنسحاب المصري من التجمع الوطني للتغيير
محمد شريف الجيوسي
فوجئ كثيرون من تصريح الرئيس طاهر المصري المتعلق بانسحابه من التجمع الوطني للتغيير وردّ التجمع على حيثيات الانسحاب.
إنّ من يعمل في السياسة، وفي تحليل ما بين السطور، يدرك أنّ ما أعلن ليس كلّ شيء وإنْ يكن في جوانب منه ليس نقيضاً لما أعلن، لجهة ما تنطوي عليه شخصية المصري من خصوصية وحساسية وشخصية غير صدامية ونزاهة وميل إلى ممارسة الديمقراطية بأعلى تجلياتها، وأنّ ما تمّ تأسيسه ربما كان لزاماً أن يتمّ قبل عقدين من الزمن، فقد جاء أكثر من متأخر ولا يحتمل ترف الوقت والفشل أو الاختلاف اللاحق حول قضايا رئيسة في مرحلة متقدّمة من العمل، حيث تبدو مؤشرات تباين عميق حولها بوضوح في فترة دقيقة من تاريخ المنطقة والأردن ضمنها، ما يجعل الأمور أكثر تعقيداً وحساسية، ولملمتها أكثر صعوبة، دون قيام هذا المشروع، وبالتالي انتفاء الهدف والغاية التي قام التجمّع لأجلها.
كما أنّ طرحها من قبل دولة المصري، من البدايات سيفجر مشروع التجمع الذي يضمّ مكونات متباينة في العمق، فالبيانات التي تتحدّث في العموميات لا تعني الاتفاق في الأمور الجوهرية والتفصيلية، وتركها لمرحلة متأخرة بمثابة الخداع والصدع المتأخر، بانتظار احتكار تيار أو فكرة أو مجموعة للمشروع على حساب جهود الآخرين.
من الممكن جمع العديد من الأشخاص من خلفيات سياسية مختلفة يلتقون حول هدف راهن واحد، حتى وإنْ بقوا ينتمون لخلفياتهم السياسية، ولكن أن يجتمع أشخاص لا يجمعهم اتفاق حول قضايا رئيسة راهنة كسورية مثلاً، ولا رصيداً من أدبيات سياسية مشتركة، بل يتوفرون على تباينات عميقة في قضايا جوهرية راهنة وغير راهنة لا يمكن القفز حولها، ما يجعل توفر فرصاً كافية لنجاح هكذا مشروع أمرا غير ممكن، بخاصة مع عدم امتلاك ترف الوقت وأولويات المرحلة والتعقيدات المحيطة بالمنطقة ومن ضمنها الأردن.
لا بد أنّ دولة طاهر المصري كان يعني أشياء قريبة من ذلك، ولا يريد في آن أن يفصح عن دواعي قلقه ولا أن يضع العصي في عجلات المشروع فليأخذ فرصته كاملة، لعلّ وعسى، مفضلاً الانسحاب بطريقته متحمّلاً وحده اللغط الذي سينشأ عن ذلك وليقطف الآخرون النجاحات المرجوة.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk