إنقاذ السياسة العامة تحصين للبنان وحكوماته

د. وفيق إبراهيم

السياسة العامة اللبنانية غائبة، حتى أن الدولة بما هي توافق بين القوى السياسية الأساسية التي يجب أن تعبّر عن مصالح الدولة بخلفية الميثاق الوطني اسقطها النهج الغربي ـ السعودي لحركة الرابع من آذار. ووضعها في خدمة العداء لكل من سورية وإيران وحزب الله.

نعم هناك دستور يعطي الحق للحكومة بالتعبير عن السياسة العامة، ورئيس الحكومة مكلف الى جانب وزير الخارجية بالتعبير عن السياسة اللبنانية في الخارج إقليمياً وعربياً ودولياً.

لكنهما يعبران استناداً إلى خطوط أساسية متفق عليها مسبقاً، منها الميثاق الوطني والبيان الوزاري، واتجاهات القوى السياسية المتحالفة داخل الحكومة.

مما تتألف حكومة الحريري؟

تتشكل من قوى سياسية كبيرة معادية للإرهاب كحزب الله وحركة أمل والمردة وتعبر عن عشرات الأحزاب الوطنية والقومية الشعبية، هؤلاء لا يتحالفون مع إيران التي تحارب الإرهاب في سورية والشرق الأوسط هناك أيضاً التيار الوطني الحر الأقوى حكومياً والذي يمارس سياسة معادية للإرهاب ومتحالفة مع حزب الله.

أما أحزاب المستقبل والقوات والتقدمي الاشتراكي فهم البيئة الأساسية للحلف الأميركي ـ السعودي، ولديهم مدد من أحزاب الكتائب والأحرار وبعض التيارات المرتبطة بـ»إسرائيل» بشكل أو بآخر.

ما يمكن هنا ملاحظته هو ان هذا الفريق السعودي الأميركي يسيطر على السياسة العامة للدولة، وعلى قاعدة العداء المطلوب لسورية وإيران منذ عقدين من الزمن والعجيب أن الطرف الوطني لم يأبه لهذا «الاختراق الوطني» الخطير، لانهماكه في قتال الإرهاب في سورية وعرسال اللبنانية والحدود الشمالية للبلاد..

فكان عجيباً أن نرى وزراء المستقبل من فتفت الى المرعبي فكبارة وريفي يشنّون هجمات متواصلة على سورية وإيران وحزب الله بالتزامن مع انتشار إرهابي كوني كان يستهدف هذه القوى تحديداً، وقبلهم وليد جنبلاط ووزرائه الذين يوصلون حملات على سورية محاولين جعلها جزءاً من الصفقات الداخلية وكذلك القوات اللبنانية والكتائب بتاريخها المعادي للبنان والعرب.

هذه السياسات أضحت سياسة عامة للدولة ينطق بها رؤساء الحكومات الحريرية في الداخل والخارج، بما يوحي للخارج وبعض الداخل انها تجسد سياسة عامة للدولة، فيما هي بالحقيقة تكرّس مرحلة 2003 ـ 2018 بما جسدت محاولات اميركية لاسقاط سورية والعراق وبالتالي لبنان.

وإذا كان الحفاظ على الاستقرار الداخلي في مرحلة اقليمية وسورية متفجرة، كانت تلقى غض طرف مقبول لضرورة النجاح في مجابهة الإرهاب داخلياً وعربياً فان السكوت عنه حالياً لم يعد مقبولاً على الإطلاق.

فالإرهاب مهزوم في سورية والعراق، وتمكن الجيش اللبناني وحزب الله تحقيقه في لبنان نهائياً، فلماذا السكوت على استعمال سياسة لبنان الخارجية كأدوات في خدمة السياسات السعودية وأي سياسات أخرى، لأن القوى الداخلية متفقة على مبدأ النأي بالنفس عن صراعات الاقليم وهذا النأي محصور فقط في سياسات الدولة.

فوليد جنبلاط الذي يعد يحمل موقعاً وزارياً لذلك يحق له قول ما يريد من مواقف فلكية، أما وزراؤه فيجب أن يكونوا منضبطين في السياسات الكبرى للدولة وبوسعهم في إطار مجلس الوزراء تحديداً ان يطرحوا سياساتهم للنقاش والتصويت.

وينطبق الأمر على سمير جعجع الذي لا يحمل منصباً وزارياً، فيستطيع أن يعلن ما يريد من مواقف تجاه السياسات الإقليمية، اما وزراؤه، فلا يستطيعون إلا الانضباط في السياسة العامة للدولة، مع حقهم بنقاش سياسات حزبهم في اطار مجلس الوزراء.

للأمانة هنا، فان وزراء حركة أمل وحزب الله والمردة والتيار الوطني الحر لا يطلقون تصريحات تؤذي العلاقات الإقليمية للبنان في حين أن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله له الحرية الكاملة في مقاربة السياسات الإقليمية التي تستهدف دور حزبه في مكافحة الإرهاب وتحالفاته..

والدليل ان أحداً لم يسمع وزير الخارجية جبران باسيل ينتقد أياً من فريقي الصراع الاساسيين في المنطقة وهما السعودية وإيران. وكذلك رئيس الجمهورية ميشال عون الحريص على عروبة لبنان إنما في إطار احترام العلاقات الخارجية للبنان.

اما رئيس المجلس النيابي نبيه بري فهو جزء اساسي من حلف المقاومة وله مكانة داخلية وإقليمية وازنة، وذلك لتمسكه بالتعبير عن حيادية لبنان في الإقليم وحتى خلال ترؤسه للجلسات النيابية.

فماذا الآن عن رئيس الحكومة سعد الحريري؟

إن موافقته على بنود القمم السعودية الثلاث الاخيرة، توفر الأسس البنيوية لحيادية الدولة اللبنانية. كما أن تهجماته الدائمة على سورية وإيران ليست من سياسات الدولة المحايدة المتفق عليها.

ولو كانت هذه القمم العربية تهاجم «إسرائيل» لكان على الحريري أن يزايد عليها لكنها ليست الا محاولات لتبني سياسات الاعتدال الأميركي في إيران والمنطقة.

وبذلك يكون الرئيس الحريري اخترق التفاهمات الوطنية، معبراً عن سياسات خاصة به وبحزبه المستقبل لا علاقة للدولة بها، معادياً الشركاء في الحكومة، بما يضع حكومته في لحظة اختيار عميقة، تهيئ لانفجار معادلة التعاون الهشة.

بالمقابل يحق لابن عمته احمد الحريري أن يقول علناً ما لا يجب على رئيس الحكومة التصريح به علناً، وهذه انتكاسة لها مترتباتها الكبيرة على معادلة استمرار حكومته، إلا إذا تمكّن الرئيس عون من التوصل إلى اتفاق يقضي بالالتزام الكامل لأسس السياسة العامة بين القوى السياسية التي تشكل منها الحكومة.

فهل نحن في مرحلة تحرير هذه السياسة من نهج 14 أذار التي انتقلت الى مثواها وبقي صداها عند الفريق السعودي.

لا شك في أن تحالف حزب الله والمردة وحركة امل والاحزاب الوطنية والقومية، مصرّون على الربط بين الاستقرار الحكومي من جهة وبين الالتزام بحيادية لبنان ومقاومة «إسرائيل» وأنصارها من جهة ثانية فترقبوا خيراً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى