برهم صالح الأكثر عروبة من العرب
شوقي عواضة
«قلوبُنا مع أهلنا في السّودان والجزائر وهم يتطلّعون إلى حلّ المشاكل والتّحدّيات التي تواجههم، والأمور في ليبيا الشّقيقة لا تسرُّ صديقاً، بينما تمرُّ سورية الغائبة عنّا بمخاضٍ عسيرٍ، وكذا الحال في اليمن، والأقصى الشّريف ينادي ولا من مستجيبٍ، ولا أنسى بالطّبع بلدي العراق، فعلى الرغمّ من التّقدّم الحاصل والتّفاؤل السّائد، إلّا أنّني أؤكّد لكم لا تزال أمامنا تحدّياتٍ…»
بتلك الكلمات التي صاغها يراعُ الحقيقة المأساوية وحبرُ الضّمير الحرّ والحي على صفحات الكرامة الإنسانيّة افتتح الرّئيس العراقي الدّكتور برهم صالح خطابه في قمّة مكّة من خلال كلمته التي أظهرت المشهد العربيّ بمآسيه التي أنتجها آل سعود وبعض حكّام الخليج.
وبلغة بليغةٍ نحويّاً ولسان أكثر عروبةً من مترئس القمّة وأعرابها وضع الرّئيس العراقي قواعد الإعراب السّياسي في نصابها فرفع قضايا الأمّة من فلسطين إلى اليمن وفتح ملف أمن الخليج معتبراً أنّ أمن إيران والمنطقة هو من أمّن العراق وحاول تسكين غلّ وحقد المتآمرين على إيران والمقاومة وكسر كلّ المجرورين لإدارة ترامب وحكومة نتن ياهو من خلال رفضه المشاركة في صياغة البيان الختامي المُعدّ مسبقاً والذي تضمّن عشرة بنود تستهدف إيران بمجملها.
وبذلك شكّلت كلمة الرّئيس العراقيّ صفعةً مدويةً للبيان الختاميّ للقمّة وصدمة للمهلّلين لصفقة القرن وبالأخصّ للسّعودية وهذا الموقف أعاد تأكيده نائب الرئيس العراقي ووزير الخارجيّة السّيد محمد الحكيم الذي قال إنّ أمن العراق من أمن إيران، ولا نسمح لأحد المساس بها، موجّهاً بذلك صفعة قاتلة لمشروع آل سعود في مهده.
هذا هو العراق العربيّ الذي يُعلّم الأعراب ما معنى العروبة والكرامة والإباء. هذا هو العراق باسمه المحمديّ الأصيل الذي تجسّد بموقف مفتي أهل السّنة في العراق الشّيخ مهدي الصّميدعي بانسحابه من القمّة. الإسلامية مخاطباً المتآمرين فيها قائلاً «نأبى أن نكون طرفاً في قمّتكم التي باعت فلسطين وتتآمر على إيران، ولن نكون شركاء في قمّتكم التي تفوح منها رائحة الطّائفية البغيضة.
نعم إنّه العراق الذي دفع ثمن إرهاب آل سعود وحلفائهم من خلال ما تعرّض له من عدوان إرهابيّ أراد إضعافه وتفتيته. يخرج العراق اليوم برئيسه الدّكتور برهم صالح ليؤكّد اللاءات الثّلاث مدركاً ثمن هذا الموقف لا سيّما على مستوى ردّة الفعل السّعودية التي كانت أولى نتائجها إعلان سعودي عن تراجع السّلطات السعودية عن بناء ملعب رياضي في بغداد، وذلك بعد موقف العراق من قمّة مكة. وبالتالي لن يكون هذا الموقف التّصعيدي السّعودي الأوّل والأخير اتجاه العراق بل سيشهد المزيد من المواقف التّصعيدية التي ستبدأ بمنع كلّ أنواع الاستثمارات، وبالتالي رفع مستوى التّصعيد الإعلامي السعودي على العراق، ولربما نشهد طرد العراق من الجامعة العربية كونها ملكاً لآل سعود، إضافة إلى التّحشيد الطائفي وإعادة إحياء مشروع داعش الذي أسقطه الجيش العراقي والحشد الشّعبي إلى غير رجعة، وهي محاولة سعودية لإعادة إحياء الميت، وهي محاولة فاشلة، إلا إذا وجدت السعودية حلفاء جدداً أكثر حقداً على إيران، وفي حال توفر أولئك الحلفاء اعتقد أنّ القوى الأمنية جديرة بإسقاط أيّ مشروع يستهدف العراق وسيادته وأمنه، وبالتالي ستضرب القوى الأمنية بيد من حديد كلّ من يحاول المسّ بأمن العراق الذي دفع ثمناً باهظاً في مواجهة لقطاء النظام السعودي من داعش وغيرها.
أمّا على المستوى الكردي فسيلجأ النّظام السعودي إلى محاولة إضعاف الرّئيس برهم صالح عراقياً وكردياً وسيعمل على تعزيز خصومه بتأييد أميركي «إسرائيلي»، وفي كلّ الأحوال فإنّ الرئيس برهم صالح هو رئيس العراقيين جميعاً، وأثبت أنّه بمقدوره التّغلب على الأزمات والخروج منتصراً والعراق بكلّ أطيافه يعنيه وليس الكرد أو أيّة طائفة بعينها. لربما يكون الثّمن الذي سيدفعه العراق غالياً نتيجة موقفه من قمة مكة لكن المؤكّد أنّ موقف الرئيس برهم صالح هو انتصار بكلّ ما للكلمة من معنى، انتصار أكبر من هبات آل سعود ومكرماتهم لأنّهم لا يدركون ما معنى الكرامة والانتصار للعرب وللإنسانية بل انتصار للحقّ بوجه الباطل، فألف تحية للرّئيس برهم صالح الذي أتقن لغة العروبة والعزّ والإباء.
كاتب وإعلامي