رئيس الجمهورية في اليوبيل المئوي لمحكمة التمييز: يجب تحصين القاضي بضمانات مادية ومعنوية وأهمّها الاستقلالية

اعتبر رئيس الجمهورية ميشال عون «أنّ كلّ عدالة متأخرة هي نقيض العدالة لا بل هي من قبيل الامتناع عن إحقاق الحق»، مؤكداً أن القاضي يجب أن يتحصن بضمانات مادية ومعنوية، إلاّ أن أهمها تبقى الاستقلالية.

كلام عون جاء خلال احتفال أقيم في في قصر العدل في بيروت، لمناسبة اليوبيل المئوي لتأسيس محكمة التمييز، بحضور رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس الحكومة سعد الحريري، ووزراء ونوّاب وممثلين عن محاكم التمييز في الدول الفرنكوفونية وفي الدول العربية وعدد كبير من القضاة والمحامين.

قدّمت للاحتفال القاضية رولا جدايل التي رأت أن «حملات الاستهداف والتشكيك في القضاء لن تنال من عزم السلطة القضائية في إحقاق الحق».

ثم ألقى نقيب المحامين في بيروت اندريه الشدياق كلمة باسم نقابتي بيروت والشمال، كرّر فيها بياني مجلسيهما منذ أيام، «الداعيين ليس فقط إلى إستقلالية القضاء لا بل إلى وجوب تحصينه كسلطة دستورية، والشاجبين الإعتكاف المتمادي للقضاة كوسيلة تجاور الإستنكاف عن إحقاق الحق وتجافي مقتضيات العدالة وتسيير المرفق العام العدلي فيتآكل الصدأ ميزان العدالة لينال من مصالح المتقاضين ومن ممارسة المحامين لمهنتهم. فبإزاء المواقف المتتالية والمتكرّرة الصادرة عن فخامة رئيس البلاد منذ أكثر من سنتين ونصف الحاضة السادة القضاة على التقدّم منه شخصياً بالشكاية من أيّ تظلم أو تدخل سياسي يرمي إلى النيل من إستقلاليتهم ومناعتهم الذاتية، بيد أن النقابتين لم تقصرا يوماً في تأييد تحركات ومطالب القضاة المحقة وتعكفان حالياً على درس مشروع «إقتراح قانون إستقلال القضاء العدلي وشفافيته».

وتلاه وزير العدل البرت سرحان الذي أشار إلى أنّ «القضاء اللبناني يواجه تحديات حقيقية لا يجوز التغاضي عنها، ذلك أن الجسم القضائي ليس حالياً في أفضل حالاته بسبب شوائب تعتري مسيرته، تجري حالياً المحاسبة بشأنها، ما يؤدي إلى زعزعة ثقة الناس نتيجة ذلك بقضاء يضمن لهم الحصول على حقوقهم المشروعة».

أضاف «هذه الأمور كلها تحتاج إلى معالجة حقيقية في العمق، لن نتأخر، بإشراف فخامة الرئيس وصاحبي الدولة، عن القيام بها، توصلاً إلى إقامة سلطة قضائية مستقلة، تكون حجر الزاوية في دولة القانون، التي نطمح إليها».

واعتبر أنه «ما دامت الإرادة السياسية، على أعلى مستوى، متوافرة من أجل إحلال سلطة قضائية محل قضاء السلطة، يتوجب علينا، كل من موقعه، أن نترجمها إلى نصوص قانونية وإجراءات عملية تضمن استقلال القضاء وتعزز ثقة المواطنين به».

وألقى رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد كلمة عرض فيها لمرحلة تأسيس نحكمة التمييز عام 1919 ومراحل تطورها. وقال «منذ العهد التمهيدي الذي سبق إعلان دولة لبنان الكبير، إلى عهدكم يا فخامة الرئيس. لا يزال هاجس العدالة في الصدارة. يدرك الجميع أن ثمة في تصوركم الدولة القادرة والعادلة الكثير مما يتعلق بصون القضاء، بدوره، بتطويره، باستقلاله، وبأمان القضاة الاجتماعي وتطلعاتهم المشروعة التي تمكنهم من ممارسة المهام الجلى الملقاة على عواتقهم. ويدرك الجميع أنكم لا ترون دولة قوية، حرة، عادلة، إلا إذا كان قضاؤها آمناً ومؤتمناً على وديعة العدالة، بجذورها السامية وبمفاهيمها الاجتماعية. هذا ما يؤثر عنكم، وما يرى، ونحن شهود عليه».

وأعلن «أنّ للقضاء في لبنان، على صعيد النزوع إلى التحديث، وعلى صعيد الإنتاج وكلّ ما يمتّ بصلة الى الواجب المقدس، إسهامات شتى. وإنه، في موازاة ذلك، على بينة من مواطن القصور التي تعتري مسيرته. وقد تمّ وضع خطة تمكنه من أداء رسالته الرامية إلى توطيد الأمان الاجتماعي وحماية الحريات. خطة من شعابها العمل على تنقية ذاتية بدأت، ولن تتوقف، إلى أن تبلغ غايتها القصوى».

وقال: «وبالمناسبة، نذكر أنّ شبكة مجالس القضاء العليا الفرنكوفونية الموجودة معنا اليوم اختارت عنوانا لمؤتمرها الذي سيعقد يوم الجمعة المقبل «علاقة السلطة القضائية مع السلطة التنفيذية». عنوان يبشر بأنّ استقلال القضاء الذي تحملون لواءه، بات محوراً عالمياً، وهدفاً منشوداً».

ثم كانت كلمة الختام لرئيس الجمهورية، فرأى أنّ إقامة العدالة هي أساس الحكم وأساس الدولة، وهذا ليس غريباً عن بيروت أم الشرائع التي أنشئت فيها أول مدرسة حقوق في العالم في عهد الامبراطورية الرومانية».

وأكد «أنّ على كلّ متظلم أن يجد قاضيه وأن يكون لشكواه ومظلوميته مرجع أخير يوصله إلى العدالة. وعلى كلّ متظلم متقاض أن يلقى محاكمة عادلة وأن يتمتع بضمانات، هي أصلاً في صلب دستورنا، وفي المادة 20 منه تحديداً التي لم ينل منها أيّ تعديل منذ وضع الدستور، ضمانات متوازية مع ضمانات القضاة وذات مرتبة واحدة، ومنها قرينة البراءة وحق الدفاع والوجاهية واستئناف الأحكام وطلب نقضها عند توافر شروط النقض وعدم إرهاق المتقاضين بتكاليف باهظة ينفرون منها عن عجز وليس عن اقتناع».

كما شدّد أنّ «على كلّ متظلم متقاض أن ينال محاكمة سريعة وليس متسرعة، ذلك أن كل عدالة متأخرة هي نقيض العدالة لا بل هي من قبيل الامتناع عن إحقاق الحق»، مؤكداً أن «الحق والحقيقة توأمان لا ينفصلان».

أضاف «ويبقى أن القاضي يجب أيضاً أن يتحصن بضمانات، مادية ومعنوية، إلا أن أهمها تبقى الاستقلالية، استقلالية السلطة الدستورية واستقلالية القاضي الفرد عند اختلائه وضميره وقلمه وعلمه منصرفاً إلى الحكم. إن هذه الاستقلالية، على ما قلت لكم عند افتتاح السنة القضائية في بداية عهدي، ليست منة من حاكم بل هي حق لكم إن أردنا عدالة منزهة عن الاستتباع السياسي أو الارتهان المصلحي أو الاعتبار الطوائفي أو المذهبي أو المناطقي، والحق يستحق بالممارسة وليس بالاستعطاف والوقوف على أبواب أهل السياسة والسلطة، كما الموقع الذي يشغله صاحب الاختصاص والكفاءة والجدارة والنزاهة الفكرية والمادية والاستحقاق».

وأكد «أنّ السلطة الدستورية المستقلة مسؤولية قبل أن تكون عطية، فاستحقوها ومارسوها بالعمل الدؤوب، فتفرضون ذواتكم على من يتنكّر لكم ولسلطتكم».

وقال «كلمتي لكم في مناسبة يوبيل محكمتكم المئوي يا قضاة التمييز، وقد أولاكم القانون توحيد الاجتهاد، أن اجتهدوا كي تحققوا العدالة وتعطوا المثل الصالح لأترابكم من القضاة الذين سيصبحون يوما في مواقعكم ودرجاتكم، حتى إن اجتمعتم في هيئة عامة للتصدّي لخطأ جسيم في الأحكام، شخصت الأنظار إليكم وإلى قراراتكم تستلهم منها العدل الصافي. فالعدل في النهاية طمأنينة للنفوس والأوطان، كثرته تقي من الانزلاق إلى الفوضى والظلم والعنف».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى