الحرب وحدها ترسم معادلات تقاسم النّفوذ ومرور النفط والغاز الآمن
د. رائد المصري
بهدوء… فترامب الذاهب حسب ظنّه سريعاً لهندسة جيوبوليتيكية جديدة في المنطقة لحماية دول الخليج وأمرائها وملوكها من الجيل الرابع فتيان الحرب المصرّين على بناء نظام إقليمي عماده العسكري «إسرائيل» وأدواته السياسية والوظيفية. هذا المنهج المهجّن والمعدّل لحماية المعادلات الحربية والعنفية التي يسوّقونها بوجه إيران ومحور المقاومة، وهي مغامرة غير محسوبة النتائج بالحرب وصعبة. أما المفاوضات التي ينشدها العقلاء بين إيران وأميركا فهي لن تؤدّي بالنهاية إلاّ لفكّ الحصار عن طهران من دون المساس بقدراتها الصاروخية والاستراتيجية، وبالعودة الى اتفاق التسوية اليمنية التي أقيمت سابقاً، وبالقبول بالتفاوض الجدّي مع الروس للحلّ السياسي في سورية، وهو ما ينتظره العالم بفارغ الصّبر في لقاء قمّة العشرين في اليابان بين ترامب وبوتين، والتراجع عن المحاولات الأميركية الدائمة رغم فشلها في تقسيم العراق، وهذا يعني إضافة إلى تراجع ودور الهيمنة الأميركية وفشلها في صياغة واقع جيوبوليتيكي جديد أمام اندفاعة في تشكّل حلقات القوة الجديدة في سورية والعراق واليمن وإيران وفلسطين المحتلة.
التصعيد الحاصل في الإقليم من قبل بعض دول الخليج في وجه إيران والمترافق مع عقوبات أميركية عليها، والهجمات على ناقلات النفط في الفجيرة وفي خليج عُمان مؤخراً، ومحاولات أمراء الحرب تحشيد دول خليجية وعربية بوجه إيران لأجل جرّ واشنطن وتوريطها، وعقد قمّتي مكّة الخليجية والعربية الأخيرتين، وإقامة المؤتمر الاقتصادي التطبيعي مع الكيان الغاصب في البحرين، كلّه كان الهدف منه استكمال الترتيبات لتجهيز مضبطة الاتّهام بحقّ إيران، يريدون أن تتوسّع عربياً وتتوافق مع أميركا وأجندة نتنياهو المأزوم سياسياً وحكومياً.. إنّها أزمة ومآسي النّظام الرسمي العربي التابع!!
إنّها مأساة الجيل الجديد من أمراء الحروب العرب في المنطقة، والذين لم يفهموا بعد هذا الصّمت الإسرائيلي وانزواء رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بعد فشله في تشكيل حكومته وعدم الاستقرار السياسي الذي صار عنواناً دائماً وثابتاً في حياة الإسرائيليين اليومية، وتخوّفه من التطورات الساخنة في منطقة الخليج وعجز الكيان عن القيام بأيّ خلط للأوراق في مواجهة حشد لها على مدى سنوات ضدّ إيران ومحور المقاومة وهو اليوم أمام فشل استراتيجي كبير.
هذا الجيل من أمراء الحرب يظنّ بأنّ الأميركي والإسرائيلي يعمل عندهم وأنّهم بالمال وحده قادرون على التسلّط وفرض العقوبات وإقامة الحصارات وتغيير النّظم السياسية للدول، بينما وقائع التطورات في الإقليم تظهر على أنّ الأميركي والإسرائيلي هما من يستخدمان ويوظّفان هذا الجيل من الأمراء المراهقين في السياسة والحكم، ويبنيان اصطفافات مذهبية حاقدة تحمي الكيان الغاصب وتعزل إيران بعد حصارها لإسقاطها، واليوم يريدون منها أن ترفع رايات الاستسلام أمام صبية حديثي النّعمة في تراتبية الحكم الآتية من بوابات الفساد والإفساد السياسي كالصهيوني جاريد كوشنر الذي يهندس لصفقة القرن ويريد تنفيذها ويتبعه أغلب حكّام النظام الرسمي العربي في ما يقول ويعمل. وهذا بدوره وهو المهم ما يساعد على الانحدار الأميركي السريع: بات يدركه نتنياهو وهو كاتم أنفاسه، بينما يصعّد جيل أمراء الحرب من العرب لإشعال فتيلها علّ متغيّراتها تنعكس على الأوضاع الداخلية لبلدانهم في إحكام القبضة السياسيّة والأمنيّة أكثر، وتصفية القضايا العربيّة العالقة التي تقلقهم وهي فلسطين، متناسين بأنّ أيّ حرب مقبلة في منطقة الشرق الأوسط ستتوسّع وستغيّر معالم النّظام الإقليمي في الخليج الذي صار واقعه الجيوبوليتيكي والمالي الاقتصادي معاكساً تماماً للتركيبة الجديدة في النظام الدولي، وبعيداً عن سياسات مراكمة الفوائض المالية المتأتية من النفط والغاز وتوظيفها في شنّ الحروب وتغذية النعرات الفتنوية وهزّ الاستقرار العام للدول الآمنة. فهذا هو اللّعب بالنار، نار التحشيد والاستقطابات العمودية الحادة لاكتمال مضبطة الاتهام بحقّ إيران في المنطقة لدفعها ومعها جرّ الأميركي الى حرب ستكون دول الخليج أول وأكثر من سيدفع أثمانها المالية والاقتصادية وفي البنى التحتية. وستسرّع ربّما في إزالة معالم النّظم التي باتت عبئاً مخيفاً على مصالح الدول الكبرى ومنها أميركا.
أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية