كيف اتفق اللبنانيّون على مقاطعة مؤتمر «البحرين»؟

محمد حمية

ما هو سبب مقاطعة لبنان لمؤتمر البحرين؟… سؤال تردد كثيراً على ألسنة المواطنين، فقلما يتفق أهل السياسة على قضية أو استحقاق، لا بل وصلت خلافاتهم في مراحل خلت حد القضايا الوطنية الوجودية التي من المفترض أن تحظى بإجماع عارم وطبيعي كالعداء لـ»إسرائيل» والنظرة الى الارهاب!

كما لم يشهد لبنان مثلاً إجماعاً على المقاومة وسلاحها، بل شكل هذا الأمر انقساماً عمودياً منذ نشوء المقاومة حتى الآن، رغم أن ضرورات السياسة والمصالح المتبادلة والتمسك بالسلطة كانت تفرض على بعض القوى التزام الصمت على البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة التي تكرس حق المقاومة في التحرير والدفاع.

لكن كيف أجمعت القوى السياسية كافة على رفض صفقة القرن ومقاطعة «ورشتها الاقتصادية» في المنامة رغم أن رئاسة الحكومة وبعض مكوناتها محسوبة على الولايات المتحدة والسعودية؟

لا شك في أن توطين الفلسطينيين في لبنان لهو أولى النتائج السلبية المترتبة على «مؤتمر الصفقة» فيما لو شارك لبنان فيه. فهذا الأمر برأي مختلف المكونات السياسية والطائفية يمسّ بالتوازنات الداخلية وتحديداً بالوجود المسيحي، ما دفع القوى المسيحية على اختلافها من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب وعلى رأسهم الكنيسة المارونية يجمعون على أن التوطين يؤدي الى خلل ديموغرافي كبير وقد يدفع باتجاه تهجير المسيحيين من لبنان، لذلك شكل موقف بكركي المظلة السياسية لرفض هذا المشروع.

أما السبب الثاني فهو موقف فريق المقاومة والقوى القومية والوطنية الذي يمانع تمرير هذه «الصفقة» لإدراكه أنها مقدّمة أساسية لتصفية القضية الفلسطينية.

لكن هذا الموقف المسيحي العام الممثل بجناحيه: رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره السياسي والكنيسة المارونية معطوفاً على موقف حلف المقاومة أدى الى صمت القوى المؤيدة للسعودية وأميركا في لبنان، لقناعتها أن هذا المشروع لا يمكن أن يمر في لبنان، وبالتالي لا يمكنها الدفاع عن قرار مصيري وجودي كهذا. فالقوى المسيحية المتحالفة مع واشنطن و»المملكة» لا تستطيع التموضع عكس «التيار» المتمثل بالموقف الرئاسي وبكركي، فوجد الرئيس سعد الحريري ومعه رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط نفسيهما وحيدين في الميدان ما اضطرهما الى القبول بمقاطعة «مؤتمر المنامة»، علماً ان هذا الأمر سيتسبب بتدهور علاقات الرجلين مع دول الخليج مع كثير من العتب الأميركي، لان الولايات المتحدة كانت تحاول التسويق لمفاوضات الحدود النفطية والغازية بين لبنان و»إسرائيل» فقط من أجل استدراج الدولة اللبنانية نحو الانفتاح على «إسرائيل» والانضمام الى «صفقة القرن». وفي السياق تشير مصادر «البناء» الى ضغوط مارسها دبلوماسيون أميركيون وأوروبيون وخليجيون على قيادات لبنانية سياسية ورسمية لحضور المؤتمر مع إغراءات مالية وصلت الى مليارات الدولارات.

إلا أن الغالبية في المجلس النيابي ومجلس الوزراء الرافضة للحضور، وعلى رأسهم رئيسا الجمهورية والمجلس النيابي، حالت دون ذلك.

فتداعيات صفقة القرن على لبنان ستكون كبيرة، لأنه بلد صغير ومحدود الثروات وضعيف الإنتاج ولا يستطيع توطين نصف مليون فلسطيني ما يشجع ايضاً على توطين مليون ونصف المليون نازح سوري مجهولي المصير وتوقيت العودة، ما يضرب التوازنات الداخلية في لبنان ويقضي على تنوعه وهويته. مع الإشارة الى تفرّد الحريري بقرار المشاركة في قمم مكة والتحدث باسم الحكومة بموقف لم يحظ بتوافق جميع المكونات، فلماذا لم يفعل ذلك في «ورشة المنامة»؟

لا شك في أن موازين القوى السياسية الداخلية وفي الاقليم فرضت على لبنان عدم الانضواء في ركب التطبيع العربي الخليجي مع «إسرائيل». فبالإضافة الى الدستور الذي يحرّم ويجرّم أي شكل من أشكال التواصل والتطبيع مع «إسرائيل» ويمنع التوطين، فإن المعادلة النيابية باتت لصالح الفريق المعادي لـ»إسرائيل» والمشاريع الأميركية، كذلك فإن المعادلة داخل مجلس الوزراء باتت لصالح أغلبية ترفض التوطين والتطبيع ولو انخرطت جميع دول الخليج والأنظمة العربية. فصمود محور المقاومة طيلة السنوات الماضية وتحقيقه انتصارات متتالية في العراق ولبنان وفلسطين واليمن متوجاً بالصمود السوري منذ السبعينيات حتى الآن، شكل سداً منيعاً أمام تمرير المشاريع الأميركية الإسرائيلية. والسؤال لو استطاع الإرهاب السيطرة على سورية ودخلت في العصر الإسرائيلي هل كان ليستطيع لبنان الصمود أمام «صفقة العصر»؟

ما يعزز الاعتقاد بأن موازين القوى الداخلية والإقليمية والموقف الرسمي الناتج عن هذه الموازين، أبعدت لبنان عن تداعيات الصفقة.

ووسط هزالة المشاركة في مؤتمر البحرين ومقاطعة بعض دول اللجوء كلبنان وسورية ودول عربية أخرى كالكويت، هل تستمر «صفقة القرن»؟ وهل تبيع مصر نحو ألفي كلم مربع من سيناء لضمها الى غزة تقام عليها الدولة الفلسطينية المزعومة مقابل اقتطاع 40 في المئة من الضفة الغربية ومنحها الى «اسرائيل»؟

لا شك في أن مشروع «الصفقة» هو مقايضة الأراضي بين الضفة وغزة مع الاستعانة بسيناء والربط بين الضفة وغزة مع احتفاظ «إسرائيل» بغور الاردن، ما لا يمكن تحقيقه بدون شريك فلسطيني يوقع على هذه الصفقة وبلا موافقة دول اللجوء، إلا أن النجاح الوحيد الذي حققه اجتماع البحرين هو استيلاد حلف اسرائيلي – خليجي عربي علني والعمل على تدويل حرية الملاحة لمواجهة خطر إيران، من خلال تأمين قوات عسكرية أميركية إسرائيلية لحماية طريق النفط في الخليج.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى