هكذا سقطت صفقة القرن… وفشل الرهان على تأمين غطاء فلسطيني لها

حسن حردان

ما عُرض في ورشة البحرين الاقتصادية على الشعب الفلسطيني ليس ما يُسمّى حلاً عادلاً للصراع العربي ـ الصهيوني يلبّي بعض حقوقه المشروعة، إنما عُرض عليه استسلام.. الولايات المتحدة الأميركية كشفت اليوم ما كانت تعمل على تنفيذه وراء الكواليس لتبرير استمرارها وسيطاً في المفاوضات بين العرب وكيان العدو الصهيوني.. إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلنت انسحابها من كلّ التزاماتها الدولية بما خصّ القضية الفلسطينية، وبالتالي الانقلاب على كلّ القرارات والاتفاقيات الدولية، وقرّرت أن تكشف عن دورها الحقيقي في دعم الكيان الصهيوني في مخططه الهادف إلى تصفية جميع الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، حقه في وطنه فلسطين وتقرير مصيره فيها وحق أبنائه الذين شرّدوا من أرضهم وديارهم عام 1948 بالعودة إليها. واستطراداً تمكين الكيان الصهيوني من فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني مقابل حفنة من الدولارات وبعض المشاريع الاقتصادية، مستعينة ببعض الأنظمة العربية التابعة والخاضعة للسياسة الأميركية وأوامر الولايات المتحدة، هذه الأنظمة التي سوّقت في بدايات القرن الماضي وعد بلفور الاستعماري وتمكين العصابات الصهيونية والمستوطنين الصهاينة من الاستيلاء على فلسطين واحتلالها وإنشاء كيانهم المصطنع واللقيط على أرضها وتهجير مئات الآلاف من أبنائها الفلسطينيين… هذه الأنظمة مطلوب منها اليوم من خلال مشاركتها في ورشة البحرين القيام بمهمتها الثانية لها، وهي تمكين الكيان الصهيوني من أن يشرع وجوده في الوطن العربي، وإقامة العلاقات الطبيعية معه، متجاوزة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، لا بل أنّ هذه الأنظمة لا تتوانى عن ممارسة الضغط عليه لجعله يقبل بالتخلي عن حقوقه بأن يوقع صكّ الاستسلام مقابل حفنة من الدولارات.. أيّ أن يقبل الفلسطينيون بالوعود المعسولة، المنّ والسلوى، المغمّسة بالذلّ والعار، مقابل التخلي عن فلسطين والتسليم بأنها للصهاينة المستعمرين وليست لهم…

لكن هذا الكلام المسموم لم يعد ينطلي على أحد.. هناك تجربة لا تزال حية وهي اتفاق أوسلو الذي وقع عام 1993 والذي سوّق على أساس انه سيحقق الازدهار الاقتصادي ويحسّن معيشة الفلسطينيين ويمكنهم من إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس في نهاية المطاف، وفق ما نصت بنود الاتفاق.. لكن كلّ ذلك لم يتحقق منه شيء.. لم يتحسّن الوضع الاقتصادي بل زادت الأوضاع سوءاً يوماً بعد يوم، وشكّل الاتفاق غطاء للاحتلال مكّنه من تعزيز الاستيطان وجلب مئات آلاف المستوطنين من روسيا ودول أوروبا الشرقية على إثر انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي، والاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية، وبناء المستعمرات عليها، وبالتالي جاءت النتائج عكسية تماماً.. وهذا يعني أنّ الرهان على توقيع اتفاقيات وعقد تسويات مع الكيان الصهيوني إنما هو رهان عقيم ولا جدوى منه.. انّ الاتفاقيات مع هذا الكيان الصهيوني المصطنع والذي قام على اغتصاب حقوق الفلسطينيين سكان الأرض الاصليين، لا تقود إلى ايّ نتيجة، وإنما تقود إلى تمكين الاحتلال من كسب الوقت وفرض الأمر الواقع الاستيطاني وتكريس وجوده، والدور الأميركي لم يكن محايداً بل كان دائماً يشكل عامل ضغط على السلطة الفلسطينية، الناتجة عن اتفاق أوسلو، كي تسلم بما يفرضه الاحتلال من وقائع ومواصلة تنفيذ التزاماتها الأمنية في الاتفاق.. أيّ الاستمرار في التنسيق الأمني مع الاحتلال، وكانت واشنطن تستخدم المساعدات المالية التي تقدّمها للسلطة بموجب الاتفاق وسيلة ابتزاز لإجبار السلطة على الاستمرار في سياسة التنسيق الأمني..

لكن السؤال المطروح اليوم، هل بإمكان الولايات المتحدة وكيان الاحتلال فرض صفقة القرن، بدعم وغطاء من بعض الأنظمة العربية؟

الواقع شيء والتمني شيء اخر، الولايات المتحدة وكيان العدو يريدان غطاء وتوقيعاً فلسطينياً، وهذا هو مربط الفرس، مهما فعلت بعض الأنظمة العربية، الموافقة على صفقة القرن، لن تستطيع تحقيق ما تريده واشنطن وتل أبيب، ما لم يوقع طرف فلسطيني، او قيادة فلسطينية يعتدّ بها، ولهذا لا يمكن أن تمرّر هذه الصفقة الاستسلامية في ظلّ عدم توافر الغطاء الفلسطيني لها، كما حصل إثر توقيع اتفاق أوسلو الذي وفر في حينه غطاء وذريعة لبعض الدول العربية كي تذهب وتقيم علاقات مع كيان العدو الصهيوني وتعقد اللقاءات بين مسؤوليها ومسؤولين صهاينة والقول، طالما أنّ منظمة التحرير وقعت على اتفاق أوسلو واعترفت بـ إسرائيل فلماذا تريدون منا أن نكون ملكيّين أكثر من الملك، وان لا نلتقي مع الإسرائيليين.. اليوم هذه الأنظمة العربية التي حضرت في المنامة في البحرين لتسويق صفقة القرن كانت تريد أن يكون هناك مشاركة وحضور من السلطة الفلسطينية للقول إنّ الفلسطينيين وافقوا على مقايضة حقوقهم في وطنهم وحقهم في العودة مقابل الدعم المالي والاقتصادي، فلماذا تريدون منا أن نرفض ونبقى متمسكين بهذه الحقوق.. وبالتالي يكون الغطاء قد توافر لتصفية القضية الفلسطينية لمصلحة المشروع الصهيوني.. لكن ما حصل كان العكس تماماً، فقد شكل الموقف الفلسطيني الموحد شعبياً وسياسياً، في رفض صفقة القرن والمشاركة في ورشة البحرين، صفعة قوية لخطط واشنطن وتل أبيب، كما شكل ضربة موجعة لهذه الصفقة فأسقطها وأصابها بمقتل قبل أن تبدأ، فمن دون حضور ومشاركة فلسطينية لن يكون هناك غطاء أو شرعية لأيّ صفقة تستهدف تصفية الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني.. من هنا فإنّ محاولات كوشنر إغراء الفلسطينيين بالمال وتحقيق الازدهار الاقتصادي لهم لتشجيعهم على قبول المشاركة في ورشة البحرين والاستفادة من هذه الفرصة، ردّ عليها الشعب الفلسطيني بموقف شامل بالرفض القاطع، واعتبار كلّ من يشارك في هذه الصفقة خائناً لقضية فلسطين، فيما ترجم هذا الموقف بالتظاهرات الشعبية والمؤتمرات الشعبية المندّدة بورشة البحرين ومن شارك فيها ورفض بيع فلسطين مقابل حفنة من الدولارات، وقد لاقى هذا الموقف الفلسطيني الموحد على المستويات السياسية والشعبية دعماً قوياً من العديد من الدول العربية التي رفضت المشاركة في ورشة البحرين ومن الجماهير العربية وقواها الوطنية والقومية واليسارية الداعمة لقضية فلسطين باعتبارها قضية العرب المركزية في الصراع مع الكيان الصهيوني الذي لا يستهدف من هذه الصفقة فقط تصفية القضية الفلسطينية وإنما أيضاً التسيّد على المنطقة وتحويل العرب إلى أتباع يدورون في فلك الكيان الصهيوني الذي يسعى إلى أن يصبح هو القاعدة الاقتصادية والمحور في المنطقة في خدمة النظام الرأسمالي الغربي الذي زرعه في قلب المنطقة لتحقيق هذه الغاية…

كاتب وإعلامي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى