نهايات حزيران… بين الردّ والردع!

فاديا مطر

مع تراجع خطوة اشتعال الحرب بين الولايات المتحدة وإيران في الخليج العربي، بقي جمرها متقداً تحت رماد المنطقة التي ما زالت تشهد تداعيات التراجع الأميركي والتقدّم الإيراني في محطة إسقاط طائرة التجسّس الأميركية بصاروخ الحرس الثوري الإيراني، فالحادثة التي أرخت بظلال تداعياتها على المنطقة والعالم، كانت الأقسى على مضاجع الحلفاء الأميركيين في الإقليم، وهي التي جاءت على خطى سياسية هامة تشهدها المنطقة في أواخر حزيران الحالي، فمن الإحراج الأميركي الكبير الذي تلقته واشنطن عبر إسقاط أحدث طائرة تجسّس في منظومتها، والتراجع في قرار الحرب والردّ الإيراني الذي استطاع عبور القدرة العسكرية والإلكترونية الأميركية، تتنامى تداعياته عبر التراكض الأميركي الى المنطقة تارة لتطمين الحلفاء الخليجيين بزيارة بومبيو، أو في زيارة بولتون الى الأراضي المحتلة لقبول الردّ الإيراني كورقة بلا شروط في إجتماع القدس مع مستشار الأمن القومي الروسي وبنيامين نتنياهو، وعدم طرح مقايضات في التواجد الإيراني على الحدود السورية الجنوبية، فالمعادلة الردعية التي كرّسها إسقاط الطائرة التجسّسية بمكانتها العسكرية والتقنية أوجدت موازين قوة في المنطقة عمقها الإستراتيجي يكمن ما بين الفشل العسكري الأميركي في تخطي السيادة الإيرانية، والإضرار بقدرتها الإقليمية والدولية، وما بين القدرة على فرض حرب تجعل من الردّ الإيراني مجرد ردّ موضعي تتحكم فيه القدرة العسكرية الأميركية برقعة حدوده مع ضمان أمن الحلفاء، وهي الخطوة التي رمت البيت الأبيض في موقف الضعف العسكري والسياسي داخلياً وخارجياً، فلم تكن الحرب الإلكترونية أفضل حالاً من الخطوة العسكرية التي فشلت، فالهجمات الالكترونية التي قالت واشنطن إنها نفذتها على داتا مرابض الرادارات والقواعد الصاروخية الإيرانية قد فشلت أيضاً في أيّ اختراق يطال هذه المنظومات بعد إعلان الدولة الإيرانية أنها أفشلت في العام المنصوم ما يقارب 33 مليون هجوم الكتروني أميركي، وهي تصريحات استخباراتية أميركية لم تستحوذ على موقع أكثر من الدعم النفسي لإدارة ترامب ومحاولة حفظ ماء الوجه، فالقدرة العسكرية الإيرانية أوجدت معادلة الردّ والردع معاً، وغيّرت من موقع التواجد العسكري الأميركي في المنطقة إنْ كان لجهة تواجده كقوة عسكرية دولية متقدّمة، أو لجهة تواجده كقوة ضامنة في حماية حلفائه، فتغيير وجه المواجهة في الحرب على اليمن من استهداف مطار أبها وجيزان على يد الجيش اليمني وأنصار الله، وفشل القدرات الأميركية التي اشترتها السعودية في ردع الطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية، غيّرت معها مستوى التفاهمات التي تحملها المراحل القادمة، وأبرزت الدور الضعيف لحلف الحرب في المنطقة على فرض معادلاته كمحور مقابل لمحور المقاومة، وليس الحشد العربي الأميركي لصفقة « جاريد كوشنر «أفضل حالاً من المعادلات العسكرية، فالمشروع الذي ولد ميتاً ينتظر نهاياته في مقرراته، ولا الشريك التركي لمحور الحرب على سورية أيضاً بأفضل من حال المنامة، فخسارة بلدية اسطنبول من يد حزب العدالة والتنمية الأردوغاني، كتبت مؤشرات نهايات الحكم السياسي لنظام العثمانية في تواجده كقوة أطلسية في المنطقة، وخسارته مكانته الداخلية في أهمّ عواصم الحكم السياسي والاقتصادي في تركيا، فأواخر حزيران الحالي نزعت من يد محور الحرب في المنطقة أهمّ الأوراق العسكرية والسياسية لتواجده كمشروع دولي يضمن مرتكزات أمن الكيان الصهيوني، وهو بذلك يخسر أهمّ مقدراته كقوة تستطيع حكم المنطقة بالمشروع الصهيو ـ أميركي، فلا القدرة العسكرية استطاعت إيجاد مقابل لمعادلات الردع لمحور المقاومة كقوة تضمن المنطقة بشروطها، ولا السياسة المستعملة لمحور واشنطن قدرت على فرض تحجيم للردّ المقابل لمحور المقاومة، وبقي الترنّح سيد لسان حال واشنطن وحلفائها في المنطقة، ورضوخها للشروط التي يفرضها محور المقاومة بات أكثر تواجداً في عمق معادلات المنطقة على مجمل مساحتها الجغرافية من طهران الى سورية الى لبنان فالعراق واليمن، وهي تقاطعات تعجز مشاريع واشنطن وتل ابيب عبر حلفائهم من جعلها خادمة لمفترضات البيت الأبيض، فالنمط المتسارع للخطوات الأميركية نحو اجتماع القدس، ووضع قمة العشرين على طاولة الحلحلة سترخي الستار على المشهد العسكري التصادمي في المنطقة، لتبقى النسخ المتبقية من حزيران قيد انتظار نهاية المهلة الإيرانية في تسارع خطوات أوروبية أخرى على نسق خطوات واشنطن، فهل تصريحات واشنطن بأنّ البيت الأبيض يضع خطط جديدة للردّ على إيران، ستكون عود الثقاب القادم في المواجهة؟ أم أنّ العودة الأميركية لمشهد الدعم النفسي سيكون مقبولاً إيرانياً وروسياً مقابل بقاء معادلات الردع والردّ كما هي؟ فاجتماعات القدس والمنامة لن تكون سوى طلب أميركي لعدم عودة مشهد الرعب الذي عاشه محور واشنطن في سقوط هيبته مع سقوط المنظومة الجوية التجسّسية الأميركية في الخليج الفارسي، ولربما تتابع الأحداث حتى السابع من تموز ستكون الاختبارات النهائية لفترة واشنطن على البقاء في المنطقة كقوة تقبل بما كتبه حزيران في نهاياته.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى