من أوساكا إلى فيينا… من خطر الانفجار إلى بدء الانفراج

ناصر قنديل

– ثمة مسلّمتان تحكمان المعادلات والتوازنات في الأزمات الدولية الراهنة، الأولى درجة التشابك والترابط بين هذه الأزمات، بصورة تجعل كل تقدّم في أحد ملفاتها إشارة إلى تقدم في الحلحلة على حساب التعقيد في كل الملفات، وليس مقايضة الحلحلة هنا بالتغاضي عن التصعيد هناك. فالتكامل الصيني الروسي الحاضر والمتحفز سياسياً واقتصادياً وعسكرياً بوجه لحظات الضعف في مشروع الهيمنة الميركية يدير كل خيوط الاشتباك بعناية، ويعرف كيف ومتى يرخي هنا ويشد هناك. أما الثانية فهي استحالة الذهاب لتفاهمات استراتيجية واضحة ومعلنة مع أميركا في ظل تحوّل المواجهة والتسويات إلى عنوان لترسيم الأحجام الجديدة لا يمكن تمريره إلا بالتدريج والتراكم البطيء والهادئ، ولذلك لا مواجهة ولا تسوية هو العنوان الأكثر دقة، لكن تمرير اللحظات الحرجة وتوظيف لحظات التصعيد لمراكمة الأرباح والمكاسب في تسويات صغيرة يقوم أغلبها على مبدأ التغاضي بدلاً من مبدأ التراضي المعتمد في التسويات التقليدية.

– خلال النصف الأول من العام بدا واضحاً أن التعثر جامع بين ملفات كوريا الشمالية وسورية وإيران، وأن ملف فنزويلا يدخل على الخط عنواناً لأزمة جديدة، ومعه التبادل التجاري الصيني الأميركي، وفي قلب الحرب التجارية شركة هواوي الصينية. والواضح من اجتماعات أوساكا على هامش قمة العشرين أن التفاوض الحقيقي كان قد جرى قبلها فاقتصرت لقاءاتها على الشكليات والمجاملات وترجمة الإيجابيات، على الجبهة الأميركية الروسية والجبهة الأميركية الصينية. وهذا معنى اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون بعد قطيعة وفشل توّجهما لقاءان لكيم مع الرئيسين الروسي والصيني. وهذا معنى الإعلان الروسي عن تعاون أميركي روسي فعال في سورية، يتوّج لقاءات القدس المحتلة لمستشاري الأمن القومي الروسي والأميركي وضبط للحركة الإسرائيلية تحت سقف التفاهم الروسي الأميركي. وهذا معنى الكشف عن تفاوض فنزويلي أميركي في واشنطن وفنزويلي فنزويلي في النروج.

– في أوساكا لم يخرج شيء ذو قيمة يتصل بإيران، لكن المنصة كانت في فيينا. وليس من باب الصدفة أن الرئيس ترامب طلب من الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون زيارة طهران، ولا غريباً أن تكون الصين التي أوقفت استيراد النفط الإيراني في أيار الماضي، قد عادت من فيينا لتعويم استيراد ما يشكل تقريباً ثلث صادرات إيران في أيام الذروة ونصف صادراتها في أيام العقوبات المتوسطة، والمقدر بستمئة وخمسين الف برميل يومياً، ومنصة فيينا التي لا تزال موضع شدّ وجذب لتحقيق المزيد من المكاسب في ظل إصرار إيراني على اللعب المتواصل على حافة الهاوية حتى اللحظة الأخيرة لمهلة الستين يوماً، صارت منذ الإعلان عن استعمالها من الصين وروسيا للتبادل التجاري مع إيران معادلة ضرورية لإيران، لا تراجع فيها كما لا تراجع معها عن البقاء تحت مظلة الاتفاق النووي بعد تحصيل أقصى ما يمكن تحصيله. وهذا حق مشروع لإيران في مواجهة التلكؤ الأوروبي عن القيام بموجبات فرضها الاتفاق النووي مقابل الالتزام الإيراني بالاتفاق.

– الانفراجات مترابطة، كما كان الانفجار سيكون تعبيراً عن انسداد شامل في الملفات، لكنه يعبر أيضاً عن تقدير للموازين يتيح للأميركي خوض مواجهة، وهو ما يثبت أنه غير متاح وأن كل كلام عنه كان مجرد حرب نفسية، أدركها الإيرانيون مبكراً فخاضوا توقيتهم على المدى القريب ورسموا معادلات الاستفزاز والاستدراج لفرض مداخل التسويات ونصب منصاتها ومدّ رؤوس جسورها وفقاً لحساباتهم. وهي تسويات ستتعزز وتنمو في قلب متغيرات موازين القوى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى