ليست القضية بالإحالة إلى المجلس العدلي

ناصر قنديل

– لم يعُد خطاب الأبواب والشبابيك حكراً على حزب سياسي واحد أو فريق سياسي واحد. فقد ظهر بوضوح أن هناك جبهة سياسية وطائفية تتبنّى النص القائم على اعتبار ما جرى في الجبل نتيجة للخطاب الاستفزازي لرئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل. والأمر بالتأكيد ليس في تحديد ما إذا كان الخطاب استفزازياً أم لا، ومعلوم أنه من السهل إيجاد ما يتيح وصف الخطاب الباسيلي بالاستفزازي، لكن القضية هي في تشريع ضمني لجعل الدخول إلى مناطق لبنانية مشروطاً بموافقات مسبقة من زعاماتها الطائفية، تحت التهديد بالأمن، وتحت شعار جديد صار هو عنوان الخطاب الرسمي، بدلاً من أن يتم وضع القادة السياسيين واللبنانيين بين حدّين، حماية حرية التعبير في الخطاب، وملاحقة مَن يلعب بالنار طائفياً بخطابه أمام القانون، أو محاسبته سياسياً، فصار الموقف الذي تمت صياغته بطريقة أخرى، أن أي طرف يستطيع قول ما يشاء لكن عليه تحمل المسؤولية، والمسؤولية هنا تتضمّن فرضية ظهور أحداث أمنية، فتصير لعبة الأمن جزءاً مشروعاً من الحياة السياسية، وبذلك يصير التحقيق القضائي والأمني محكوماً بإقامة نوع من التعادل بين سلاح حماية وزير وسلاح آخر في الشارع، ويتحول الرد بإطلاق نار قاتل على إطلاق نار في الهواء إلى اشتباك مسلح، تتساوى فيه المسؤوليات تحت شعار البدء بإطلاق النار أدى إلى خلط الحابل بالنابل وضياع الطاسة. والتعادل هنا ليس على صلة بالقانون بل هو امتداد للمعادلة الأهلية التي تحكم حرباً أهلية باردة.

– التسوية الهشة تُعاد صياغتها بطريقة أشد هشاشة من خلال معادلة، الجميع على حق، والجميع له حق، حق الذين سقطوا قتلى بملاحقة الفاعلين، و حق الذي حمل السلاح احتجاجاً على عدم دخول البيوت من أبوابها، بتثبيت معادلته، وحق الذي أراد لصاحب الخطاب الاستفزازي أن يدفع ثمن خطابه، بأن يكون الثمن بجعل منطقة لبنانية رهينة أمنية، ومحمية حزبية تدخلها الدولة بالتراضي. وضمن الشروط المتفق عليها بين أركان النظام الطائفي لعدم السماح بتغيير قواعد اللعبة السياسية لصالح تنمية فكرة الدولة على حساب الزعامات الطائفية، حتى لو لجأت هذه الزعامات إلى المحرّمات، والمحرّمات هنا يتعامل معها الجميع بصفتها من مكتسبات الزعامة، فجمهورية الحدث ولو بدون سلاح، كجمهورية قبرشمون المسلحة، والعنوان هو خصوصية القانون الذي يطبّق في كل جمهورية بخصوصية الزعامة وما تشرّعه ليصير قانوناً.

– التهديد بخطاب الحرب من الذي لم يكن جزءاً منها إلا في آخر جولاتها التي تباهى بها من الكحالة بهدف شدّ العصب وتثبيت القاعدة الطائفية، أو التلويح بأدوات الحرب ممن كان ركناً من أركانها وتمّ استحضارها في قبرشمون، بهدف الحفاظ على المكتسبات الحزبيّة والفئويّة، مشرَّعان بالتساوي والتوازي، والدولة تتكرس كضابط إيقاع بين المعادلات الطائفية وزعاماتها وليس على حسابها، والذي بات واضحاً هو أنه يستحيل لأحد هذين الخطابين أن يحقق شرعيته بدون أن يمنح الشرعية للخطاب الآخر. فخطاب الوزير جبران باسيل وطموحاته، الذي تشكلت جبهة في وجهه، كأداء النائب السابق وليد جنبلاط الذي تشكلت جبهة من حوله، والخاسر هو مشروع الدولة التي لا تقوم على خطاب الحقوق الطائفية، ولا على منطق المناطق المغلقة، فلا استعادة التوازن الطائفي في الجبل ممكنة تحت مظلة خطاب الحقوق الطائفية، دون إضعاف فكرة الدولة ومشروعها في مناطق أخرى ظهرت بلدة الحدث نموذجاً لها، ولا التمسك بالمكتسبات المحققة في ظروف تغيّرت، ممكنة بلا إضعاف هيبة الدولة وتهديد أمنها. وها هي الحصيلة أمامنا، الحفاظ على الاستقرار والسلم الأهلي يمران عبر إضعاف فكرة الدولة ومشروع قيامها، وعلى اللبنانيين تقبل أن تجاوز محنة الفتنة بحد ذاته كافٍ ليصفقوا للجميع، لأنهم فهموا أن القضية ليست قضية إحالة للمجلس العدلي، بل الحفاظ على التوازنات بين جبهتين متوازنتين أمام استحقاق رئاسي جرى استحضاره مبكراً، ومقتضيات التأجيل تستدعي الخروج من الأزمة وفق معادلة لا غالب ولا مغلوب، وتصبحون على وطن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى